أنشطة دبلوماسيَّة وثقافيَّة في العاصمة الإسبانيَّة

مدريد- الأحد 9 ديسمبر 2012
بقلم محمد بشير علي كردي
خاص لوكالة بان اورينت نيوز

مع دخول شهر ديسمبر، تقلُّ ساعات النهار وتطول ساعات الليل، ليكون الظلام سيِّدَ الموقف في الصحارى والأرياف حيث لا وجود للكهرباء فيها. أمَّا في كبريات المدن الصناعيَّة في العديد من دول العالم، فيزداد في أيَّامه عدد المكتئبين الذين قد يحاولون التخلُّص من حياتهم.

في إسبانيا، ومدريد تحديدًا، الأمر "غير"! مع بدء هذا الشهر، تزداد الأنشطة الدبلوماسيَّة والثقافيَّة، وتمتدُّ حتَّى أواخره استعدادًا للاحتفال بذكرى ميلاد السيِّد المسيح، رسول المحبَّة والسلام، ثمَّ حلول العام الجديد. يستقبلونه بالفرح وتبادل دعوات الغداء والعشاء الدسمة كأنَّ لسان حالهم يقول: "تفاءلوا بالخير تجدوه." أو "إنَّ مع العُسر يُسرًا." غير آبهين بالأزمة الاقتصاديَّة المُستشرية، وانكماش القدرة الشرائيَّة. تُلبَّى الدعوات التي توجَّه من البعثات الدبلوماسيَّة برحابة وانشراح لما عُرف عن قاطني مدريد، والإسبان عامَّة مِن حبٍّ للتمتُّع باللقاءات الاجتماعيَّة، وما يتخلَّلها من حلو الحديث وأطياب الطعام والشراب. كيف لا! وهم مَن ينطبق على معظمهم "مجتمع الـ BP"، ولا أقصد بذلك مجموعة "British Petroleum"، وإنَّما مجتمع الـ "Business and Pleasure".

تجلَّى ذلك في الأنشطة الدبلوماسيَّة والفنيَّة التي شهدتها مدريد في أوَّل أسبوع من هذا الشهر. كانت البداية في حفل سفارة دولة الإمارات العربيَّة المتَّحدة الذي أقامته في Intercontinental Hotel في مدريد في الثاني من ديسمبر، وتبعه في اليوم الثالث منه حفل سفارة دولة قطر في Villa Magna Hotel، حضرالحفلين نخبة مميَّزة من الرسميِّين والدبلوماسيِّين والإعلاميِّين ورجال الفكر والمال والاقتصاد. تبادل الحضور الحديث عن إنجازات الدولتين الخليجيَّتين في مجالات التنمية واستقطابهما للمستثمرين وعشَّاق السياحة من دول المعمورة كافَّة بعد أن استقطبتا عقول عمالقة المهندسين والصناعيِّين والفنَّانين والذوَّاقين من دول العالم، فأقاموا فوق الرمال المتحرِّكة مدنًا راسخة، ينعم سكَّانها بالرفاهية والأمن والأمان. وتمَّ ذلك في مدَّة زمنيَّة قياسيَّة. بدأت مع الأسبوع الأوَّل من ديسمبر عام 1971، وما تبع ذلك التاريخ من استثمار سليم وواعٍ لثرواتيهما الطبيعيَّة من نفط وغاز بعقليَّة تجاريَّة مرنة، أوصلت كلا الدولتين إلى مرتبة نموٍّ اقتصاديٍّ عالية، ارتفع معها دخل الفرد من الناتج المحلِّي إلى ما يقارب التسعين ألف دولار أمريكي في قطر، لتحتلَّ بذلك المرتبة الأولى عالميًّا، وإلى الخمسين ألف دولار في دولة الإمارات العربيَّة المتَّحدة، لتحتلَّ المرتبة السادسة، متقدِّمة بهذا على دخل الفرد في الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة وفقًا لتحقيقات مجلَّة فوربس.

هذا التفوُّق وهذه الثروة ليستا حديثتي عهدٍ على شعوب دول الخليج العربي لما لهم من إرث حضاري توثِّقه تحقيقات العلماء من وجود بشري على شواطئه يعود إلى عشرات الآلاف من السنوات بعد اكتشافات مستوطناتٍ بشريَّة تعود إلى فترة العصر الحجريِّ الحديث في العام 5500 قبل الميلاد، أي قبل 7500 عام حينما كان المناخ رطبًا ومُمطرًا مع وفرة في الموارد الغذائيَّة، ساعدت على التفاعل والتواصل مع العالم الخارجي، وعلى وجه الخصوص مع حضارات الأمم المجاورة بفضل تجارة النحاس من جبال الحجر. كما سهَّل تدجين الجَمَلِ في نهاية الألف الثاني قبل الميلاد ازدهار تاريخ الخليج العربي مع حلول القرن الأوَّل الميلادي، فكانت حركة مرور القوافل البريَّة بين مدن شرق البحر الأبيض المتوسِّط وبلاد الرافدين وحركة الرحلات البحريَّة وصولاً إلى الهند.

المناسبة الثالث على التوالي، كانت حفل سفارة اليابان بعيد ميلاد جلالة الإمبراطور إكيهيتو الذي تربَّع على العرش عام 1989 ليصبح الإمبراطور الخامس والعشرين بعد المائة في تاريخ اليابان. وقد عدت بالذاكرة وأنا في دار سفير اليابان في مدريد إلى أيَّامي في طوكيو وسعادتي بالسلام على صاحبيِّ الجلالة الإمبراطور والإمبراطورة في مناسبات عديدة، منها مناسبة عيد ميلاده. قدَّرت كثيرًا لصاحبيِّ الجلالة وقوفهما دون كلل أو ملل لساعات طويلة مرحِّبين بآلاف المهنِّئين، ومقابلتهم بالانحناءة التقليديَّة. لمست ما للعائلة الإمبراطوريَّة من حبٍّ واحترام لدى مواطنيهم الذين يذكرون بتقدير وإجلال حرص العائلة الإمبراطوريَّة على التواصل معهم بحضورها العديد من المناسبات الإنسانيَّة والاجتماعيَّة في أنحاء البلاد.

حفل سفير اليابان بهذه المناسبة، جاء كالعادة مميَّزًا بحضور النخب الاجتماعيَّة، ومشاركة أعداد كبيرة من أفراد الجالية اليابانيَّة المقيمة في إسبانيا. وكعمل سفراء اليابان على تنشيط التجارة بشتَّى الوسائل، فقد أوقفت السفارة أمام بابها الرئيس أحدث سيَّارة كهربائيَّة 100% من انتاج شركة نيسان موديل LEAF ليتمعَّن في أوصافها المدعوُّون وهم في طريقهم لتهنئة السفير وأركان سفارته، وليشاهدها الحضور كافَّة.

في مساء اليوم ذاته، وبحضور جلالة الملكة صوفيا وكبار الشخصيَّات الرسميَّة والاجتماعيَّة من إسبان وسعوديِّين في مقدَّمتهم أصحاب السموِّ الملكي الأمير خالد بن سلطان بن عبد العزيز آل سعود، نائب وزير الدفاع، والأمير فيصل بن عبد الله بن محمَّد آل سعود، وزير التربية والتعليم، وصاحب السموِّ الأمير منصور بن خالد الفرحان آل سعود، سفير خادم الحرمين الشريفين لدى مملكة إسبانيا، ومعالي الأستاذ إياد مدني الوزير السابق للثقافة والإعلام، وبحضور رؤساء البعثات الدبلوماسيَّة العربيَّة المعتمدة والمقيمة في مدريد، كان العرض الأوَّل لمسرحيَّة The last Horseman قصَّة الروائي Ray Loriga المستوحاة من قصة قصيرة لصاحب السمو الملكي الأمير بدر بن عبد المحسن آل سعود، وإنتاج المبدع الإسباني Andres Vicente Gomez لصالح المعتنين بالحصان العربي الأصيل، وأداء أشهر نجوم المسرح العالمي من ممثِّلين ومطربين وراقصين. تداخلت في قصَّة المسرحيَّة الثقافة بالتاريخ والأدب، معيدة لذاكرة عشَّاق الأدب العربي قصص الحبِّ والوفاء وما رواه الرواة عن شاعرة العرب الخنساء، والحب الذي جمع بين بطل القصة طراد وعشيقته لاورا لشغفهما بالجواد العربي الذي يتمنى الكثيرون من عشَّاق الفرس والفروسيَّة اقتناءه ولو في أحلامهم.

جاء مشهد الخاتمة، ليظهر آخر الفرسان وأشجعهم، المغفور له جلالة الملك عبد العزيز آل سعود، باني مملكتنا الغالية.

المعروف أنَّ هذا العمل الفنِّي الرائع الذي قدِّم باللغة الإسبانيَّة، سيقدَّم لاحقًا بعددٍ من اللغات الحيَّة، ليسعد بمشاهدته عشَّاق المسرح.

محمَّد بشير علي كردي سفير المملكة العربية السعودية سابقاً في اليابان


بان اورينت نيوز


عزاء لليابان: فبراير. 01


رأي