تسونامي الطبيعة يُهزَم في اليابان، وتسونامي الحرية ينتصر في الدول العربية

مدريد- الأحد 17 يونيو 2012
بقلم الأديب محمد بشير علي كردي

بعد غياب طويل لرشا، قضت أيَّامه وشهوره متنقِّلة بين مشارق الأرض ومغاربها في جولة دراسة وتوثيق لأهم أحداث الثلاثين شهرًا الأخيرة. عادت لتعيد للجيران لقاءاتهم الدوريَّة.

كان بيننا لقاء تحدَّثت لجيرانها بإيجاز عمَّا شاهدته ووثَّقت أحداث ما جرى ويجري في دول الشواطئ الجنوبيَّة والشرقيَّة للبحر الأبيض المتوسِّط، وفي أقصى جنوب الجزيرة العربيَّة التي ضربها تسونامي الحرِّيَّة المُطالب بتغيير الأنظمة وما يزال. وهناك في شواطئ اليابان التي ضربها زلزال توهوكو الذي يعدُّ الأعنف على مقياس ريختر بقوَّة 9.0 وتسبَّب، كما يُعتقد، بإزاحة محور دوران الأرض عشرة سنتمترات.

بدأتْ الحديث باليابان مُبدية إعجابها باليابانيِّين وتقديرها لهم حكومة وشعبًا. فقد واجهوا بشجاعة وحزم غضب الطبيعة، وأثبتوا قدرتهم على تقبُّل قضاء الله وقدره، وعلى العمل بروح التعاون والتنظيم والإخلاص لإزالة آثار عدوان التسونامي، وبناء ما تهدَّم واندثر بأحسن ممَّا كان عليه قبل العاصفة الطاغية، فأعادوا الطمأنينة والأمل في المستقبل.

انتقلت فيما بعد إلى محطَّات توقَّفتْ فيها، بدءًا بتونس فمصر وليبيا واليمن وسورية.

لخَّصت الحالة في تونس بأنَّها مرضية مع ما يشوبها من ضباب. وفي ليبيا بانقشاع الغمَّة والبدء بترتيب البيت بما يحقِّق التوافق بين القبائل ويرضي الثوَّار وأغلبيَّتهم من العامَّة.

ولخَّصت الحالة في مصر بأنَّها تدعو إلى التوقّف وإعادة تقييم ما أسفرت عنه ثورة الخامس والعشرين من يناير التي نقلت الرئيس محمَّد حسني مبارك ومَن حوله من قصور السلطة إلى أقفاص السجون. لكنَّها لم تُبعد بعد خدم النظام المنهار وأنصاره ممَّن كانوا يتعيَّشون على التجسُّس وكتم أنفاس المعارضة، وكلِّ مَن قال "كفاية"، وطالب بنقل السلطة من العسكر إلى المدنيِّين. هؤلاء الأتباع، يعدُّون بالملايين ما بين مخبر وعنصر أمن ومستفيد من الانفتاح. فقد جاءت نتائج الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة بابن للنظام السابق، له مواصفات مَن حكم مصر من العسكر. وبابن للجماعة التي لقيت من الحكَّام السابقين وعلى مدار السبعين عامًا الماضية الكثير من العنف والتحجيم والإقصاء والسجن والتعذيب والمصادرة. من بين أعضاء الجماعة اليوم من قضى من ذويهم نحبهم في سجون العهد الناصري، ومَن انتُهكت حرمات والداتهم وعمَّاتهم وخالاتهم في مراكز التحقيق والاستجواب. وكلا الفائزين في الجولة الأولى لا يتمتَّع بالثقة الكاملة عند شباب مصر الذين يشكِّلون ثلثي المجتمع، ويعود لهم الفضل في إيقاد شعلة الثورة.

لامت رشا الخمسين من المائة ممَّن يحقُّ لهم الانتخاب لتخلُّفهم عن المشاركة في انتخاب أوَّل رئيس في الجولة الأولى، وعذرت معظمهم لكونهم لم يتذوَّقوا متعة الديمقراطيَّة بعد، أو لأنَّ الفوضى والبلطجة اللتين عمَّتا البلاد بعد سقوط الرئيس مبارك وما تزالان، قد أفقدتاهم الأمل بغدٍ مشرق، وحَدَتَا ببعضهم للترحُّم على مَن سبق من الحكَّام لاستتباب الأمن مع استشراء الفساد المالي والإداري واستئثار قيادي الحزب الوطني وجماعة الابن المدلَّل بثروات البلد، ناهيك عن تهالكهم على كسب ودِّ العدوِّ الإسرائيلي لضمان الدعم المالي الأمريكي.

تمنَّت رشا على شباب الثورة الذين جعلوا من ميدان الحرِّيَّة برلمانًا شعبيًّا لهم، العمل بجدٍّ وهمَّة عاليتين لإقناع الغالبيَّة ممَّن يحقُّ لهم الاقتراع التوجُّه إلى صناديق الاقتراع ليكون الرئيس القادم من اختيار الغالبيَّة عددًا. ومَن تأتي به صناديق الاقتراع لكرسي الرئاسة، سيكون تحت مراقبة الشباب الذين لديهم القدرة على جمع المواطنين في ميادين التحرير من أجل كرامة مصر ومستقبل الأجيال القادمة. وما هي إلاَّ أربع سنوات، يعود المصريُّون بعدها لصناديق لصناديق الاقتراع لاختيار رئيس يحقِّق آمالهم وتطلُّعاتهم.

أمَّا اليمن، فعودته لـ "يمن سعيد"، كما تصفه كتب التراث، ليست بالقريبة ما دامت القوَّة الكبرى تتَّخذ من أرضه قاعدة بحجَّة التخلُّص من جماعة القاعدة.

وختمت بالحديث عن الثورة في سورية وحمَّامات الدم التي كان أكثرها وحشيَّة ما ارتكبته شبيِّحة النظام في قرية الحولة، فقتلت عشرات الأطفال والنساء في سابقة لا يماثلها إلاَّ مجزرة دير ياسين التي نفَّذتها عصابتا "الأرجون وشتيرن" الإرهابيَّتان بزعامة مناحيم بيغن وبمساعدة "الهاجاناه". وما أشبه مجزرة الأسد في الحولة بما وُصِفت به مجزرة دير ياسين: "إنَّه شئ تأنف الوحوش نفسها ارتكابه."


وتساءلت رشا عن سر وقوف روسيا علنًا والغرب سرًّا مع الرئيس الأسد! فكلاهما ومَن ولاهما لم يستجيبوا لصرخات أمَّهات الشهداء والمسجونين والمفقودين، وهم يطالبون المجتمع الدولي إنقاذهم من الطاغية بتطبيق البند السابع من العقوبات. وتساءلت عمَّا إذا كان حرصهم على بقاء الأسد الجريح في السلطة هو مطلب إسرائيلي ليضمن أمن جبهتهم الشماليَّة واستقرارها!

وخلصت إلى القول المأثور: ما حكَّ جلدك مثلُ ظفرك، فتولَّ أنت جميعَ أمرك. وما من حلٍّ إلاَّ وقوف الشعب وقفة رجل واحد كما وقف المصرُّيون في ساحات التحرير ليسقطوا النظام. وعلى الشعب ألاَّ يبخل بقرابين الشهداء. فللحرِّية الحمرَّاء بابٌ بكلِّ يدٍ مُضرَّجة يُدقُّ.

محمَّد بشير علي كردي أديب وسفير سابق للمملكة العربية السعودية في اليابان

بان اورينت نيوز


عزاء لليابان: فبراير. 01


رأي