سعد الخبايا
مدريد- الأحد 17 مارس 2013
بقلم محمَّد بشير علي كردي
يقولون إنَّ الصبايا على موعد مع سعد الخبايا. وسعد الخبايا هو آخر سعد من سعود مربعانيَّة فصل الشتاء. فيه تدبُّ الحياة من جديد في الأرض وما فوقها من زرع وشجر، وتكتسي السهول والهضاب بثوب أخضر مرصَّع ببراعم الزهور من كلِّ شكل ولون. ونحن هذا الأسبوع في سعد الخبايا. نودِّع فصل الشتاء لنستقبل فصل الربيع. يخرج عشاق الطبيعة الصبية إناثًا وذكورًا إلى الحقول والمروج والحدائق مستبشرين بعامٍ جديد، يحتفل بمقدمه معظم شعوب القارَّة الآسيويَّة ويطلقون عليه "النيروز".
اليوم السابع عشر من مارس هو يوم عطلة رسميَّة في مدريد، أشرقت فيه الشمس متحدِّية قطع الغيوم المتناثرة في السماء، لتلعب معها لعبة الإستغماية، فتسطع أشعَّة الشمس تارة لتحجبها الغيوم تارة أخرى. ازدحمت الحدائق العامَّة بالأطفال من مختلف الأعمار وهم بصحبة ذويهم، يلهون ويمرحون، والفرحة بادية على وجوه كلِّ مَن قابلتهم في تمشيتي اليوميَّة في حدائق الحيِّ التي تنمو وتزدان حسنًا وجمالاً عامًا بعد عام.
عدت إلى المنزل، ليواجهني التلفاز ناقلاً مشاهد دامية لبلاد الشام، وأخرى مؤسفة لأرض الكنانة.
في بلاد الشام جيش طائفيٌّ يوجِّهه الطاغية لقتل أبناء الوطن، ولتهديم مدنه وقراه وأريافه على أمل أن يتخلَّص من الأغلبيَّة الرافضة لحكمه، وتبقى تحت طاعتةِ الأقليَّة التي ينتمي إليها ومؤازرين من جنود حزب الله لبنانيِّ الهويَّة وصفويِّ المعتقد، ولفيف من مؤيِّديه من بقية الأطياف الذين تاجروا بدماء إخوانهم من أجل الحفاظ على ما كسبوه من النظام، معتمدين على فتوى طاعة الأمير ولي الأمر (ويقصد رئيس النظام( براً كانَ أو فاجراً التي نطق بها خطيب جمعة المسجد الأموي، واعتمد على مضمونها إعلام النظام، ليبرِّر الحملة العسكريَّة البشعة والإجراميَّة.
وفي أرض الكنانة رفض للشرعيَّة التي أتت برئيس من الإخوان المسلمين، فقامت قيامة مَن خذلتهم صناديق لانتخابات ودفعوا بأموالهم وفتوَّتهم من البلطجيَّة إلى الشارع مطالبين بإسقاط الرئيس، فعمَّت الفوضى، وسالت الدماء وتعطَّلت عجلة الاقتصاد.
أخبار متلفزة لا تعطي إلاَّ مزيدًا من الهمِّ والغمِّ لِمَن هم في ديار الغربة خاصَّة حيث الأمن والأمان وصون كرامة الإنسان.
تأسِّيًا بما نُقل عن رسولنا الكريم، قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: "رَوِّحُوا القلوبَ ساعةً بعدَ ساعةٍ فإن!َ القلوبَ إذا كَلَّت عَمِيَت." فقد حوَّلت التلفاز إلى قناة الأغاني، فإذا بالمطربة فائزة أحمد تغنِّي رائعتها الإنسانيَّة "ستُّ الحبايب" بمناسبة عيد الأم. نقلتني الأغنية إلى شريط الذاكرة عارضةً سنواتِ العمر منذ أن وعيت على الدنيا إلى يوم فقدي للوالدة يرحمها الله.
مرَّ شريط الذكريات سريعًا. ومع هذا، أبان ما كانت الوالدة تعطينا من حبٍّ وعطف وحنان، وما تزوِّدنا به من توجيه وإرشاد. تراءت لي الأمُّ بعد أن صحوت من شريط الذكريات، وأوقفت التلفاز، مثل شجرة رمى الوالد بذرتها، فنمت وانشقَّت التربة عنها لتعلو وتتفرَّع أغصانها إناثًا وذكورًا، تغذِّيهم بما تزوِّدها به التربة وأشعَّة الشمس من غذاء، فإذا ما قُطِعَت، تهاوت أغصانها، وتفرَّقت فروعها لتذروها الرياح. نقلني مشهد الشجرة وقد تداعت إلى تلك السنوات التي عشتها في دمشق الشام، وإلى الأوقات الجميلة التي أمضيتها مع الصحب وزملاء الدراسة في غوطتيِّ الشام، الشرقيَّة منها حيث عربين ومزرعة آل عطايا، والغربيَّة منها حيث مزرعة آل علوان في المزَّة وبساتين آل صنوبر في جديدة وادي بردى.
كانت الشام في تلك الأيَّام تبدو للقادم من جوف جزيرة العرب جنَّة الله على الأرض، يتبارى في وصف جمالها ومفاتنها الشعراء والكتَّاب، ويتغنَّى بقصيدها المطربون والمطربات. وتساءلت عن الحال اليوم وقد أباد جيش النظام وأعوانه ما في الغوطتين من زرع وشجر في حملته الشنعاء على المواطنين. وتساءلت عمَّا إذا كان نيروز بعد سعد الخبايا سيحلُّ قريبًا، ليكشف وجوه الصبايا، ويأتي بالربيع الطلق ضاحكًا مِن الحُسْنِ حتَّى كادَ أن يتفجَّرا!
محمَّد بشير علي كردي سفير المملكة العربية السعودية سابقاً في اليابان
المقالات المنشورة في زاوية "رأي" تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة بان اورينت نيوز.
بان اورينت نيوز