طوكيو، استانبول أو مدريد: أيُّهما فازت هي المفضَّلة!

بقلم محمَّد بشير علي كردي

مدريد - الأحد 8 سبتمبر 2013

في الأسابيع الأخيرة، تركَّز حديث عشَّاق الرياضة على أولمبياد 2020، وعمَّا إذا كانت إستانبول أو مدريد أو طوكيو، ستفوز باستضافته! راهن العديد من الأصدقاء على أيٍّ من تلك العواصم العزيزة أتمنَّى أن تكسب شرف الضيافة! وكلَّما سُئلت عن الإجابة، لذتُ بالصمت.

وفي الحقيقة، ينعتني بعض معارفي وقرَّائي بأنَّني، لكثرة ما كتبتُ عن اليابان في مقالاتي الدوريَّة على مدى أحد عشر عامًا، وفي سيرتي الذاتيَّة التي صدرت عن دار الكتاب اللبناني، قد جاوزت الحدود في حبِّ اليابان.
وينعتني آخرون بأنَّني فُتنت بالأندلس الذي كان إسلاميًّا طوال قرون عديدة، فأثرى الحضارة علمًا وأخلاقًا وسلوكًا. ووفَّر لكلِّ من عاش تلك الفترة الإسلاميَّة فوق ترابه حرِّيَّة العبادة والحفاظ على اللغة والعادات والتقاليد. وهذا التسامح، كان الحاضَّ على اعتناق غالبيَّة سكَّان شبه جزيرة إيبيريا الإسلام. ولهذا، اتَّخذتُ إسبانيا وطنًا ثانيًا لي بعد تمتُّعي بالتقاعد.
ويغمز آخرون من كُنيتي العائليَّة "كردي"، لمعرفتهم بأنَّ جدَّنا الأوَّل مصطفى قد هاجر إلى المدينة المنوَّرة في أوائل القرن الثامن عشر الميلادي قادمًا من مدينة ديار بكر، ويعزون لذلك، تعصُّبي للرئيس رجب طيِّب أردوغان الذي نقل تركيا من عصور التخلُّف إلى الانفتاح الحضاري والاقتصادي على دول العالم كافَّة.

وما عتم أن أبلغتني حفيدتي خبرَ فوز طوكيو بالاستضافة، فبان السرور على وجهي. وشاركتني الحفيدة الفرح بابتسامة عريضة، أتبعتها بترديد مقطع أغنية لنجاة الصغيرة: "ورجعت، ما أحلى الرجوع إليه." وبدعاء المولى عزَّ وجلَّ أن يمد في عمر جدِّها، ويمتِّعه بالصحَّة ليتمكَّن من اصطحابها معه وهو يقصد طوكيو لمشاهدة الألعاب الأولمبيَّة عام 2020، وليستعيد بالذاكرة أيَّام أولمبياد 1964 التي حضرها في طوكيو وهو في عزِّ الشباب. وبذا تُتاح له فرصة الوقوف على ما سوف تقدِّمه اليابان لضيوفها، وقد احتلَّت مكانة عالميَّة مرموقة في العلوم والابتكارات، وفي الفنون والآداب. ومماثلة باستضافتها السابقة للألعاب الأولمبيَّة عام 1964، كانت كما عاشها حينذاك، بمثابة إعلان من اليابان لجميع بلدان العالم بأنَّها استعادت عافيتها بعد ما أحاق بها من دول الحلفاء أيَّام الحرب العالميَّة الثانية، وتجربة الولايات المتحدة سلاحها الذرِّي بقصفها مدينتي هيروشيما وناغازاكي.

سرَّني دعاء حفيدتي، وتمنَّيت أن يمدَّ الله في عمري لاصطحبها معي إلى طوكيو ومَن يحبُّ من أفراد أسرتي الذين يشاركونني حبَّ اليابان قيمًا وتراثًا وعطاءً. ووعدتها بأن أعد تقريرًا نزيهًا وشفَّافًا عن دورة عام 1964، وما سبقها من استنفار الشباب لجمع المعلومات عن طبائع شعوب الدول المتوقَّع مشاركتها في الألعاب وعاداتهم وتقاليدهم.

أذكر أنَّني يوم ذاك، استقبلت في شقَّتي الصغيرة في حيِّ "أزابو ميناتو كو" الشابَّة كازوكي هوسوكي وشقيقها إيدي، وأجبت عن كلِّ ما كان في جعبتهما من أسئلة واستفسارات عن عادات المشرق العربي، وما من شأنه أن يوفِّر لمن يزور منهم اليابان للمشاركة أو للمشاهدة الإقامة المريحة والممتعة. كانت كازوكي وإيدي ضمن مجموعات الطلبة المكلَّفين باستقبال الوفود وتأمين متطلَّباتهم.

أمَّا عن دورة 2020، وما قد يصاحبها من مفاجئات، فمن الطبيعي أن يتمُّ ذكر مجال تقنية التواصل والتعارف التي من شأنها أن تعمِّق روابط الأخوَّة والمحبَّة والتسامح بين عشَّاق الرياضة مزاولةً وتشجيعًا ليعمَّ السلم والأمن والأمان شعوب العالم بعد معاناة طويلة من الفتن والحروب وإهانة كرامة الإنسان في العديد من الأقطار. وعلى أمل أن نجد مشاركات من دول ما تزال تعاني من التخلُّف اليوم، وتكون حتَّى ذاك، قد تحسَّنت أوضاعها المعيشيَّة والصحيَّة لترتفع إلى مصاف الدول المتقدَّمة بفضل مساهمة حكومات كاليابان في تقديم المساعدات العينيَّة والنظريَّة لها لانتشالها براثن الجوع والفقر والمرض والأميَّة. وإنَّ غدًا لناظره قريب .

وقبل أن ينتهي الكلام، سَألَتْ حفيدتي عمَّا إذا كنتُ حزينًا لخسارة مدريد التي أعيش فيها، أو إستانبول التي ترتبط حكومتها ببلدي المملكة العربيَّة السعوديَّة بروابط حضاريَّة وإنسانيَّة وسياسيَّة واقتصاديَّة متينة ومتنامية؟

أجبتُها بأن من ميزات العمل الدبلوماسي الارتباط بالبلدان التي عمل فيها الدبلوماسي حتَّى بعد رحيله عنها، ومتابعته أخبارها والجديد في أمور حياة سكَّانها وإنجازاتهم، متمنِّيًا لهم الخير بما يُسعدهم، ويحزن لما قد يصيبهم من نائبات القدر. لذا، يخيَّل للدبلوماسي أنَّه ينتمي ثقافيًّا وحضاريًّا لكلِّ بلدٍ عمل فيها. فمن الطبيعي أن يشعر بانتماء وولاء له، ويكنَّ لأهله الحبَّ الذي لا يعادله إلاَّ انتماؤه وولاؤه لبلده الذي وفَّر له فرصة الانتقال بين العديد من دول العالم، ليُثري معرفته بالآخرين الذين قد يختلفون عنه عِرقًا وثقافةً ودينًا. ومع ذلك، يُصبح واحدًا منهم أخلاقيًّا وسلوكًا، امتثالاً لشريعة السماء وإرادة الخالق، جلَّت قدرته بأن جعلنا شعوبًا وقبائل لنتعارف. وفي التعارف خير الجميع.

ولكن الرياضة كالموسيقى عالميَّة الجنسيَّة، ويغوي جمالها عشَّاقها، وتجذبهم للطفها وكرمها. وعلينا أن نقبل نتيجة المنافسة الشريفة فلكلِّ مجتهدٍ نصيبٌ.

محمَّد بشير علي كردي سفير المملكة العربية السعودية سابقاً في طوكيو.

بان اورينت نيوز



رياضة