الدكتور أحمد العبادي: تعاون تربوي بين اليابان والمغرب

الدكتور أحمد العبادي

"أهمية التعاون الدولي لأجل الأطفال في الدول العربية التي تعاني من حروب"

طوكيو – الأحد 20 مارس 2017
أجرى المقابلة/ خلدون الأزهري

دعا الدكتور أحمد العبادي، الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء في المغرب، إلى تشكيل منظومة دولية لمساعدة الأطفال المتأثرين بالعنف الدائر في بعض الدول العربية، وإلى الاهتمام بالأبعاد المتنوعة التي تقف وراء الإرهاب.

وقال في مقابلة حصرية مع وكالة بان اورينت نيوز جرت خلال زيارته طوكيو مؤخراً أن المملكة المغربية مهتمة بتطوير العلاقات مع اليابان في مختلف المجالات "لاسيما في المجالات المتصلة بتعزيز السلام العالمي، ومد وتعزيز جسور التواصل مع أصدقائنا في اليابان لاسيما في المجالات المتصلة بتعزيز السلم في عالمنا والمتصلة كذلك بالجوانب التربوية ومكافحة الإرهاب الذي بات قضية عمت بلواها عالمنا المعاصر".

وأشار العبادي في المقابلة إلى تقديم محاضرات وإجراء لقاءات ثنائية خلال الزيارة لتدارس أوجه التعاون بين اليابان والمغرب، "حيث يوجداهتمام خاص من قبل البلدين بالجوانب التربوية وإيجاد أوجه تعاون مستدامة في المجالات الشبابية على وجه الخصوص. وقد أجرينا جملة من اللقاءات المثمرة مع مثقفين وأساتذة ومسؤولين في القطاعات الرسمية والدبلوماسية".

ترقية الجودة في النظام التربوي التعليمي المغربي

ورداً على سؤال عن أهم قضية في المغرب حالياً في مجال التعليم والتربية، أوضح العبادي،"هناك قضايا يمكن حصرها في ثلاث. أولاً، ترقية الجودة في النظام التربوي التعليمي، وهذه لها علاقة بالأبعاد الوظيفية، فالتعليم نشاط يجب أن يكون وظيفياً له جملة من الثمرات. وهذه الثمرات لا بد أن تكون قابلة للقياس، بمعنى أنه الآن تجري إقامة عدد من المؤشرات والمعايير التي تسمح بقياس هذه الجهود".

وثانياً، أشار العبادي إلى "إصلاح النظم التربوية والتكوينية بحيث يكون نوعاً من المماهاة مع تطلبات سوق الشغل مع الوعي للتنافسية الشديدة التي تطبع هذا المجال حيث أن ثلثي المهن التي سوف تكون في عالمنا بعد أقل من عشر سنوات غير معروفة، ما يفتح المجال واسعاً أمام الإبداعات بهذا الخصوص لضمان نظام تربوي تكويني استباقي واستشرافي يسمح بإيجاد الأطر والموارد البشرية القابلة للعطاء والبذل في هذا السياق المتقلب والمتغير بهذه السرعة".

والقضية الثالثة ضمن الاكثر أهمية في المغرب هي تعليم الدين بحيث أن هذه المسألة وجب أن يكون فيها الانتباه إلى عدم انفلات عدد من الألغام التي ربما تكون ذات طابع اعتقادي أو تمثلي أو فكري وتنغرس في أذهان الناشئة التي تنفجر ولو بعد حين. والآن تعكف المملكة المغربية على نظم تدريس الدين من أجل أن يصبح هذا التدريس بناءاً ومن الرافعات التي تمكّن من استدراك أوجه القصور التنموي أو الاندماجي في هذا العالم المعولم. إذاً هي ثلاث قضايا كبرى هامة وضاغطة".

مشاكل الارهاب والتطرف الديني "متعددة الأبعاد"

ورداً على سؤال عن مشاكل الإرهاب والتطرف الديني، التي يرى البعض أنها نتيجة للمشاكل الاجتماعية وأيضاً المشاكل التعليمية، والتركيز على الدين من قبل بعض الدول بشكل غير صحيح، قال العبادي "لا يمكن فهم قضية الإرهاب والتطرف العنيف من خلال بعد واحد فقط. لابد أن تكون المقاربة التفكيكية متعددة الأبعاد، فهناك عدة مداخل: الاقتصادي التنموي، الأمني، والعسكري الآن، إضافة إلى الاجتماعي والنفسي وأنواع الصدمات والحيرة التي أصبحت تجتاح عالمنا المعاصر"

وركز العبادي على "المدخل الديني، فالنص (الديني) يُعتبر الآن الحلبة الرئيسة للنزاع في هذا المجال بحيث إن أوجه التأويل المبنية على الفهم والتي فيها تفسيرات للدين لا بد من مراجعتها. وهناك أيضاً البعد التاريخي. إذا لم نفهم كيف بدأ الخلق في هذا الخصوص وكيف نشأت أشكال اليأس وكيف انبثقت هذه الأحلام الممغنطة المستقطِبة التي تستأثر الآن انتباه الشباب ولاسيما حلم الوحدة وإعادة بناء الخلافة وحلم الكرامة وحلم الصفاء، دين من غير بدع وغير خرافات، وحلم الخلاص، الفرقة الناجية والطائفة المنصورة، وإلى غير ذلك من الأمور. وإذا لم يتم تقديم البدائل بهذا الصدد، فلا شك أن القدرة على الانتشال لشبيبة عالمنا الإسلامي وأيضاً اختراق الشبيبة في مختلف بقاع العالم سوف يبقى على قدم وساق. ولذلك لابد من أن يعطى لكل بعد من هذه الأبعاد قدره وحقه حتى لا تكون هناك مبالغة ولا يكون هناك في الوقت نفسه تقصير، لا إفراط ولا تفريط".

التجربة اليابانية والعالم العربي

ورداً على سؤال كيف يمكن للتجربة اليابانية أن تنجح في عالمنا العربي؟، قال العبادي "إذا أردنا أن نلخص المعالم الكبرى للتجربة اليابانية في مجال التربية والتعليم، سوف يكون التركيز على ستة أوجه بالغة الأهمية.
الوجه الأول هو التفاصيل ونقش إدراكات الأطفال للانتباه لهذه التفاصيل، فلا يبقى التفكير جارياً بطرق إجمالية وإنما يدخل إلى التفاصيل التي يتطلب الانتباه إليها عدداً من المهارات والقدرة على الملاحظة والتركيب المتابعة....
والوجه الثاني هو الوظيفية، حيث أن التعليم يركز على بناء مهارات عند الناشئة من أجل أن يكونوا نافعين لأنفسهم ولوطنهم. وهذه المهارات من شأنها أن تمكن من الإجابة عن الأسئلة التي تنطرح في هذا السياق الياباني ولكن أيضاً الاستجابة للتحديات التي تفرض ذاتها على هؤلاء الشباب وعلى بلدهم في هذا السياق الذي يعولَم يوماً بعد آخر.
والوجه الثالث هو كيف يمكن تنمية القدرة على الاستفهام والتساؤل والقدرة على البحث عن الأجوبة، أي هذه الطاقة الحوارية مع الذات ومع المحيط بطريقة علمية.
وهنا يبرز الوجه الرابع وهو البعد العلمي أي أن هذه المداخل العلمية المختلفة تدرّس بالمنهج نفسه الذي يربي هذه القدرات وينشئ هذه المهارات التي تمكن من التساؤل حول الصعوبات والمشاكل والاحتياجات ومن ثم التصدي لكل ذلك بالمهارات العلمية لإيجاد الأجوبة المناسبة. وهذا يكبر مع الأطفال حين يصبحون شباباً ثم مسؤولين ويبحثون عن الأجوبة بطريقة علمية.
والوجه الخامس هو التكاملية - النظام التربوي الياباني يتميز بمراعاة التكامل بين مختلف الإدراكات والمجالات وهذا ما ينشئ كل هذه الفاعلية التي ندركها ونراها ونلمسها في المجتمع الياباني.
والوجه السادس الذي يبرز في هذا النظام هو الاستدماج لطبيعة المصفوفة أو العصر الذي يعيش فيه الإنسان الياباني، فهو يربّى ليس فقط لزمنه ولكن أيضاً بطريقة استشرافية للزمن القادم في مراعاة لكل هذه التطلبات والمقتضيات السياقية المعولمة، وهذا هو الذي يجعل هذا النظام متميزاً.

وبطبيعة الحال، يضيف الدكتور العبادي، لا يمكن أن نغلق الحديث عن أوجه تميز النظام التربوي الياباني دون أن نضيف ميزتين مؤثرتين: الأولى هي الاجتهادية حيث أن هناك الاجتهاد، فإذا لوحظ قصور عند طفل أو تخلف فإن هذا القصور يستدرك بحيث أن هذا الطفل يخضع لتعليم حتى أيام السبت والأحد من أجل مواكبة زملائه ولا يتم إهماله، فليس هناك سقط متاع في هذا النظام.
والميزة الثانية هي التجديد حيث لا يعاد اختراع العجلة، فيستشعر المراقب لهذا النظام التربوي أن هناك بناءاً على كل المكتسبات بطريقة متصاعدة ومتنامية وهذا ما يعطي هذا النظام تميزه ويجعله بهذه الريادية ومحط اهتمام الدول المختلفة في العالم".

أهمية تعاون عالمي لأجل الأطفال في الدول المنكوبة

وحول كيف يمكن للنظام التعليمي أو للمسؤولين المعنيين إنقاذ ما يمكن انقاذه في دول سورية والعراق واليمن وليبيا لمواجهة تأثير الحرب الأهلية والعنف على الأطفال وعلى كل الدولة والشعب، خصوصاً من الناحية التعليمية حيث هناك أطفال يعانون من هذه الحرب الأهلية وأطفال في معسكرات اللاجئين وأطفال هاجروا مع أهلهم عبر البحار، قال العبادي "هذا لا شك يبقى مجالاً واسعاً للإبداع والتصدي لهذا التحدي، أي ضمان جودة ذات حد أدنى في تعليم هؤلاء الأطفال. ولا شك أن ذلك ليس بالأمر اليسير، لذلك استعملت كلمة الإبداع لأن التأقلم مع الظرفيات السياقية يحتاج فعلاً إلى قدرة على الإبداع ليست باليسيرة. وبطبيعة الحال، هناك جملة من المحافل التي يمكنها أن تسعف في ذلك وأقصد اليونيسكو، منظمة التعاون الإسلامي، اليونيسيف، ويو إن دي بي التي تستهدف استدراك كل هذه الأوجه من القصور بتيسير مهمة المربّين والمربيات في هذه البلدان التي تعاني.
وخلص الدكتور العبادي، الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء في المغرب، "الحقيقة أن هذا الإشكال ليس إشكال أخواتنا وأخواننا في سورية والعراق واليمن وكل هذه الدول التي تعيش اضطرابات فقط، إنما هو إشكال الجميع. ولذلك لابد من أن يكون هناك تعاون لإصلاح هذه الأوضاع، وهذا لن يتم إلا اذا كان هناك انخراط عالمي في هذه المجالات من أجل ضمان تعليم بجودة ذات حد أدنى معقول لهذه الناشئة".

خلدون الأزهري: رئيس تحرير وكالة بان اورينت نيوز

بان اورينت نيوز
حقوق النشر محفوظة



رأي