مجزرة المسجدين الارهابية في نيوزيلندة حلقة في سلسلة

مدريد - الأحد 15 مارس 2019/ خاص إلى بان اورينت نيوز/
بقلم: محمَّد بشير علي كردي

وتعود كرَّة الاعتداء على المصلَّين في دور العبادة، مزهقة أرواح العديد منهم برصاص إرهابي جبان يطلق خلف ظهورهم وهم في لحظات مناجاة مع خالقهم يرجونه تعالى العفو والعافية والسلامة والأمن والاستقرار والسلام لخلقه على تعدُّد انتماءاتهم وأعراقهم... يثير مرتكب الجريمة الهلع والرعب ليس بين المصلِّين الذي قضى على عشرات منهم دون أن يكون يينه وبينهم اختلاف الَّا في العقيدة فحسب، بل في شتَّى أرجاء المعمورة.

شاهدنا ذلك في مجزرة الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل في فلسطين يوم الخامس والعشرين من فبرايرعام 1994 التي ارتكبها مجرم أسترالي إسرائيلي قضى على خمسين شهيدًا ومئة وخمسين جريحًا. وتكرَّرت هذه الاعتداءات الإجراميَّة في أكثر من مسجد في فلسطين، وفي بلدان آسيويَّة وأفريقيَّة. وكذلك في عدد من كنائس مصر العربيَّة بغية إشعال نيران الفتنة بين المصريِّين من عرب وأقباط.

ونراها يوم الجمعة الخامس عشر من مارس الجاري في مدينة كرايست تشيرش بنيوزيلندا حيث ارتكب إرهابيُون عنصريُّون مذبحة بشعة داخل مسجدين للمسلمين، وصفتها رئيسة وزراء نيوزلندا جاسندا أردرن عملاً إرهابيًّا وأنَّ يوم وقوعه هو من أحلك الأيَّام في تاريخ بلادها، مؤكِّدة أنَّ حصيلة ضحايا الهجوم بلغ تسع وأربعين قتيلًا، وأنًّ ما حدث في مدينة كرايست تشيرش "عمل على درجة غير مسبوقة من العنف. وأنَّه لا مكان في نيوزيلندا لهذه الظاهرة ولمن نفَّذ هذا الهجوم". وأضافت "العديد من الضحايا أعضاء في مجتمعات المهاجرين، ونيوزيلندا هي بيتهم، وهم نحن".

عباراتها الأخيرة هذه هي بيت القصيد في هذا المقال. فالجريمة هي ذات طابع عنصري ارتكبها فريق ممَّا يجهلون تركيبة مجتمعهم النيوزيلندي. فأجدادهم البيض الأوائل هم في غالبيَّتهم مهاجرون غزاة أبادوا من كان قبلهم من سكَّان الجزيرة ليستغلوا ثروات البلاد والعباد. وهذا بالتأكيد ليس من أخلاق المسلمين الذين انتشروا في أرجاء المعمورة على مدى ألف وأربعمئة عامٍ ناشري روح الأخوَّة والمحبَّة والتسامح والتعايش في المجتمعات على تعدُّد الأعراق والمعتقدات.

والعرب المسلمون الذين قدموا إلى نيوزيلندا خلال السنوات العشر الماضية أملوا بحياة أفضل بعدد هربهم من بلدانهم التي عمَّتها الفوضى الهلّاَكة، واغتنامًا لفرص أفضل للعمل موفِّري نقص الأيدي العاملة في بلدان مرفَّهة اقتصاديًّا، وفيها العديد من فرص العمل التي بممارستهم لها تزيد في الناتج الوطني للبلد المضيف.

هذا الإجرام والعنف وقتل الأبرياء حتَّى وهم في بيوت الله ليس بالجديد ضد المسلمين، يمارسه العديد من العنصريِّين الذين يعملون عن معرفة أو بدونها لصالح مجموعات من محتكري المال والأعمال موجِّهي الاقتصاد العالمي لفائدة بيوت ماليَّة يعرفها كلُّ من يتابع تقلُّبات السيساسة العالميَّة المفاجئة، ويحرَّك عن بُعدٍ فئة قليلة من البشر تسيطر على مقدِّرات العالم الاقتصاديَّة.

وكم يكون مفيدًا ضبط النفس والمجادلة بالتي هي أحسن، والتزام التقوى في القول والعمل وعدم الاندفاع في ردَّات العنف. فهذا عين ما يطمح له المجرمون وهم يعملون على تأجيج نار الفتنة والأحقاد لشن حروب مدمِّرة تتطلَّبها منتجات مصانعهم الحربيّة لتوفير ميادين تجريبيَّة بعيدة عن أراضي مصنَّعي أدوات القتل والدمار.

محمَّد بشير علي كردي سفير المملكة العربية السعودية سابقاً في اليابان



رأي