آستون باريت عازف آله ``البيز جيتار`` الاسطوري يتحدث إلى الفاتح ميرغني في طوكيو

نحن كالبدر كلما كان عتيقاً، كلما كان اكثر بهاء وإشراقا: آستون باريت


يقال أنه لولا الشاعر فينست فورد وريتا مارلي لما جاء الطبخ الإبداعي لبوب مارلي بذات الدسامة. وبنفس القدر يمكن القول أنه لولا آستون باريت لما وصلت إلينا موسيقى بوب بتلك النكهة الكاريبية الفاتحة لشهية الإستماع إلى مالا نهاية. فآستون باريت يعتبر صاحب اللمسة السحرية والخطوط الخلاقة لآلة البيز، والتي جعلت موسيقى بوب مارلي اكثر تميزا وجمالا وأكثر تفرداً وإبهاراً.

الفاتح ميرغني: لقد سبق وزرت اليابان من قبل. فهل تثير هذه الزيارة شجوناً وذكريات مع بوب مارلي؟

آستون باريت: المرة الأولى التي زرت فيها اليابان كانت مع بوب عام 1978، ثم مرة اخرى مع مجموعة الويلرز ومرتين مع جوليان مارلي، إبن بوب، وكنا في ذاك الوقت نشارك في فيلم حول، "المحافظة على موارد كوكب الارض" حيث استقلينا سفينة وشرعنا إلى جزيرة نائية، وكان هناك اطفالاً يلوحون بالأعلام الجامايكية وأعلام الريغي. نعم تثير هذه الزيارة شجونا مع بوب، فأنا اتذكر الحفل الذي قدمناه هنا في اليابان مع بوب، فقد كان تجربة آثرة.

الفاتح ميرغني: لقد حظيتْ جولتكم العالمية التي أطلقتم عليها " الجولة الثورية" بتغطية إعلامية واسعة النطاق. لماذا اطلقتم عليها "الجولة الثورية"؟

آستون باريت: عملنا دوماً من اجل رفع درجة الوعي لدى الناس من خلال الموسيقى، وخاصة جيل الشباب للحيلولة دون إنجرافه في الجانب المظلم من الحياة. فنحن جئنا من "ترنش تاون" لنحرر الناس بالموسيقى.

الفاتح ميرغني: لقد مر اكثر من ثلاثة عقود على رحيل بوب مارلي ولازلتم تحتفظون بذات التوهج الخلاق. كيف تفسر ذلك؟

آستون باريت: كثيرا ما كان يسألني البعض بقولهم:" بقيتم في عالم الموسيقى ردحا طويلا من الزمان ولا زلتم في قوة عطائكم. وكنت اقول لهم:" نحن كالبدر كلما كان عتيقاً، كلما كان اكثر بهاء وإشراقا".

الفاتح ميرغني: إذن لا زلتم تحملون الراية؟

آستون باريت: نعم.

الفاتح ميرغني: ما هي رؤيتك المستقبلية لهؤلاء الشباب المبدعين من
الويلرز في ظل قيادتك للفرقة؟

آستون باريت: سوف نواصل في موسيقى الريغي. لقد غنى بوب ذات مرة عن "كثرة الجعجة وقلة الطحين" ونحن نريد أن نحقق تلك الاشياء (الطحين) من خلال الموسيقى.

الفاتح ميرغني: ما هي هذه الاشياء (الطحين) في تقديرك؟

آستون باريت: الحب والسلام والتسامح، ولذلك كنا نقول:الحرب شيء بغيض ولكن الحب شيء مفرح وبهيج ( War is ugly but love is very lovely)

الفاتح ميرغني: خلال جولتكم في فرنسا، لاحظت الصحافة الفرنسية بأن الغالبية العظمى من الحضور كانوا من الشباب الذين ولدوا بعد رحيل بوب مارلي بسنوات، ومع ذلك كانوا ويرددون ويحفظون كلمات اغاني بوب مارلي عن ظهر قلب. فهل اثار هذا الامر دهشتك؟

آستون باريت: موسيقى الريغي هي نبض الشعوب، فهي تحمل في طياتها جذور التاريخ والثقافة والحقيقة. وهي من هذا المنطلق صالحة لكل الاعمار ولكل الازمنة: الماضي والحاضر والمستقبل.

الفاتح ميرغني: نُقل عنك في حوار سابق قولك:" سوف لن اسمح لسفينة الريغي أن تلاقي مصير سفينة تايتانيك. فهل لك ان توضح اكثر؟
آستون باريت: لقد كنت دوما وطوال هذه السنين الشخص الذي ينسق العمل الموسيقي. أنا لست عازف بيز فقط وانما مؤلف وموزع موسيقي. لقد كنت بمثابة العمود الفقري، والعمود الفقري مصدر للطاقة. وسأظل ازود سفينة الريغي بالطاقة التي تضمن لها الإبحار بأمان وضد كل الظروف.

الفاتح ميرغني: إذن انت تعول كثيرا على هذه الكوكبة الشابة من "سفراء الريغي".

آستون باريت: بالتأكيد

الفاتح ميرغني: عام 1966 زار الإمبراطور هيلاسلاسي جامايكا. بوب مارلي لم يحضر تلك المناسبة لأنه كان في امريكا. ولكن بيتر توش وبني ويلارز سجلا حضوراً. فهل حضرت ذلك الحدث التاريخي؟

آستون باريت: نعم. فقد كنت اقود دراجتي وقد كان هناك حشدا مهيباً، فإضطررت للصعود إلى مكان مرتفع حتى يتسنى لي إلقاء نظره على صاحب الجلالة وهو في سيارة (الجيب) حيث مر موكبه من تحت ورمقني بنظرة من طرف عينيه.

الفاتح ميرغني: إذن كنت من المبروكين!

آستون باريت :نعم

الفاتح ميرغني: متى إعتنقت عقيدة الراستا؟

آستون باريت: منذ الميلاد ولكن كلما يكبر الإنسان فإنها تتجلى بشكل اكبر. أن كلمة راستا تعني الرأس او الخالق. ومن هو الخالق؟ هو اللورد الخالق القهًار. ونحن اتباع "جاجا". فانصار الكنيسة يقولون:" نحن مسيحيون ". وانا اقول نحن اتباع "جاجا".( إله الراستا)

الفاتح ميرغني: متى اصبحت عضواً في فرقة الويلرز؟

آستون باريت: في نهاية السيتينات. وقبل ذلك كنت عازف بيز في فرق مختلفة، بدءا من "الهيبي بويز" و"الابسيترس" و "ذي يوز بروفيشينال" التي اصبحت فيما بعد تعرف بفرقة الويلرز العالمية.

الفاتح ميرغني: يقال بأن بوب مارلي عندما عاد من الولايات المتحدة إستمع إلى عزفك على آلة البيز ثم طلب من صديق مشترك استقطابك ومنذ تلك اللحظة ظللتم اصدقاء حتى لفظ بوب مارلي انفاسه الاخيرة. هل هذا صحيح؟

آستون باريت: نعم إستمع بوب إلى موسيقى جميلة وحالمة كانت تأتي من جزيرة جامايكا. لذا فقد عاد ليدمج رؤيته الموسيقية مع تلك الموسيقي الآخذة في التبلور آنذاك.

الفاتح ميرغني: اسمك الحقيقي هو آستون فرانسيس باريت. فلماذا يطلقون عليك "فاميلي مان " ( أبو العيلة)؟

آستون باريت: لقد كنت على مر السنين قائدا للفرقة يدوزن ويوزع ويؤلف لها الموسيقى. ومن خلال تلك العملية كنا بمثابة اسرة واحدة. وبالطبع لكل أسرة كبيرها.

الفاتح ميرغني: اثناء محاولة الإغتيال التي تعرض لها بوب مارلي عام 76، تلقى مدير أعماله دون تيلر وابلا من الطلقات واصيب إصابات بالغة وخطيرة. فهل كنت في المبنى آنذاك؟

آستون باريت: نعم فقد كان بوب في المطبخ يقشًر ثمرة كمثرى (غريب فروت) عندما وقع الحادث. وريتا مارلي ايضا كانت في المبنى وتعرضت لإطلاق النار. كنت في غرفتي وعندما سمعت الطلقة الأولى ظننتها فرقعة العاب نارية، لأنه كثيرا ما كان البعض يقومون بفرقعة الالعاب النارية اثناء البروفات. ولكن بعد سماعي للطلقة الثانية والثالثة تأكد لي أن الأمر هجوم. فقمت في الحال بعمل ساتر وتمددت على الارض. وبعد الحادث كتبنا اغنية " كمين في الليل "Ambush in the night"

الفاتح ميرغني: على سيرة كتابة الاغاني، فقد كتبتَ لبوب مارلي اغنية " Want more" وأغنية "موسيقى متمردة". فهل هناك أغنية اخرى كتبتها أو ساهمت في تأليفها؟

آستون باريت: لقد كان بوب مارلي صديقاً حميماً، ولهذا كنا نتعاون في العديد من المسائل: من البنية اللحنية والميلودي الاساسي إلى الهارموني الصوتي. فقد كتبت هذه الابيات:It is my love that you are running from"
"It is your love that I’m waiting on

الفاتح ميرغني:انت وشقيقك الراحل كارلتون تتمتعان بمواهب مزدوجة. فقد كتب كارلتون أغنية " Talking Blues " كما ابتكر نبرا في آله الدرمز الا وهو The One Drop من اين اتيتم بتلك المواهب؟ وهل هي تجري مجاري الدم في الاسرة؟

آستون باريت: كان شقيقي الراحل كارلي بمثابة القلب لموسيقى الريغي وانا بمثابة العمود الفقري. فالحياة هبة من الرب وكذلك الموسيقى.

الفاتح ميرغني: لا يخالجني شك بأنك تتمتع بمواهب متعددة.فهل كنت حقيقة وراء تغيير أغنية " No Woman no Cry " من الستايل السريع الشبيه بالروك والذي ظهرت به في البوم ( رعب خلاق) إلى ذلك الستايل البطيء الذي ظهرت به لاول مر في البوم Live؟

آستون باريت: أغنية No Woman no Cry كانت جهداً مشتركا بين بوب مارلي و الشاعر الجامايكي فينست فورد (الملقب بتارتار). وبالتأكد انني كنت وراء التغيير في الاستايل.

الفاتح ميرغني: بمناسبة الأغاني، هل يمكن ان نقول بأن أغنية فاس صغيرة" Small Axe " كانت بمثابة مانفيستو للعصيان والتمرد من قبل الويلرز ضد احتكار المنتجين في جامايكا؟.

آستون باريت: يرى البعض ان كلمة متمرد كلمة ذات حمولات سلبية. ولكن نحن اعطينا الكلمة معنى إيجابيا وقلنا نحن" روح التمرد"( Soul Rebel) *

*أغنية Soul Rebel من الكلاسيكيات التي تغنى بها الويلرز في بداياتهم، كما وان هناك إلبوما يحمل ذات الإسم.

الفاتح ميرغني: إذن فانتم أردتم دائما ان تعملوا باسلوبكم وطريقتكم الخاصة..

آستون باريت: نعم نحن لا نبالي بما يقوله الاخرين "فنحن نفعل اشياءنا بالاسلوب الذي يحلو لنا"*.
* رد الفاميلي مان عبارة عن إقتباس من اغنية Natty Dread

الفاتح ميرغني: سُئِلْتَ ذات مرة في حوار مع الويلرز عن اغنيتك المفضلة. فقلت:So much things to say. ما هو الحفل الذي ترك انطباعاً قوياً في نفسك؟

آستون باريت:كل حفلات بوب كانت رائعة.

الفاتح ميرغني: بالتأكيد. واتفق معك بأن كل حفلات بوب كانت رائعة. ولكن هل هناك حفل على وجه التحديد ترك في نفسك أثراً؟

آستون باريت: كما قلت فإن كل الحفلات كانت رائعة. ولكنني اذكر عندما غادرنا جامايكا إلى لندن. أدينا عروضا لمدة اسبوعين، بمعدل حفلتين في الليلة الواحدة، في ناد يسمى " Speak Easy" وهو ناد يرتاده أهل الصحافة والإعلام. وبعد العرض الاول كتبت الصحافة تقول: الأغنية الاولى كانت بمثابة رُقية او طلسم وبعد ذلك كان لها مفعول السحر! وبعد إنتهائنا من العرض الاخير. جاءنا رجل طاعن في السن وقال لنا: "يا شباب انا ابلغ من العمر 72 عاما. واستمعت لانماط مختلفة من الضوضاء( الموسيقى) ولكني احببت الضوضاء التي جلبتونها على نحو خاص". فقد كان الحفل بمثابة نقلة وتغيير لمحبي الموسيقى.
الأغنية المقصودة كانت (Rasta man Chant)

الفاتح ميرغني: بالتأكيد أن كل من استمع إلى موسيقى الريغي للمرة الاولى لا بد وأنْ تصيبه بالدهشة. ذلك ان الجمهور كان معتاداً على سماع نمط معين من الموسيقى، مثل الروك وتينا شارلز والبي جيز والابا وما شاكل ذلك، لكن الريغي على وجه التحديد كان ضرباً فريداً ومتميزاً. كان أشبه بشيء مفاجئ جاء من حيث لا يحتسب المرء.

آستون باريت: هذا صحيح.

الفاتح ميرغني:يُحكى بأن كريس بلاكويل عندما إستمع إلى إلبوم " Catch a Fire" للمرة الاولى قال:" لقد عملت في صناعة الموسيقى لسنوات طويلة . ولكن منذ الوهلة الاولى التي استمعت فيها لإلبوم "كاتش فاير"، أدركت بأن هذه الموسيقى تحمل أبعادا عالمية". في تقديرك ما الذي أعطى موسيقى الريغي القدرة على قوة الجذب والإبهار؟

آستون باريت: موسيقى الريغي اشبه بتراتيل او ترانيم الكتاب المقدس الآتية من انغام المعلمين الموسيقيين، الملك داؤود والملك سليمان. ونحن بمثابة الملائكة المصطفين لنشر الرسالة في الاتجاهات الاربعة.

الفاتح ميرغني: هل تعني بأن البعد الروحي هو الذي أضفى على موسيقى الريغي صفات السحر والإبهار؟

آستون باريت: نعم . وكما سبق وأن قلت أن موسيقى الريغي هي نبض الناس. فهي تتمحور حول الثقافة والجذور والحقيقة. هي ببساطة لغة عالمية.

الفاتح ميرغني: كيف ترى مستقبل موسيقى الريغي؟ .
آستون باريت: قال بوب مارلي ذات مرة: موسيقاي سوف تخلد إلى الأبد. وقد كان محقاً في ذلك.

الفاتح ميرغني:هل تحمل مفاجأة إلى الجمهور الياباني؟

آستون باريت: الجمهور الياباني ظل جمهوراً محباً ومقدراً لموسيقى الريغي وذواقاً للموسيقى الجميلة بشكل عام. وسوف نقدم له موسيقى تليق بذوقه..

الفاتح ميرغني: السيد آستون باريت. لقد كان شرفا عظيما ان نلتقيك في حوار. وأتمنى أن تكلل جولتكم في اليابان والصين بالنجاح.

آستون باريت: وهو كذلك يا رجل.

الصورة: ماكوتو أراي( بان اورينت نيوز)
آستون باريت: عازف البيز جيتار في فرقة الويلرز.
الفاتح ميرغني: رئيس تحرير مجلة وورلدلينك سابقاً في طوكيو

بان اورينت نيوز
حقوق النشر محفوظة



رأي