اعجاب كويزومي بالبتراء والعقبة نموذج لتعزيز السياحة اليابانية الاردنية

بقلم سمير عيسى الناعوري
خاص إلى بان اورينت نيوز
عَمان – الخميس 22 مايو 2014

تعود بي الذاكرة إلى صيف عام 2006 عندما قام رئيس وزراء اليابان الأسبق جونيتشرو كويزومي بزيارة إلى الأردن ضمن جولة له في دول المنطقة. ورغم قصر مدة الزيارة التي لم تتجاوز اليومين إلا أنها تركت أجمل الانطباعات لدى مستقبليه من مسؤولين أردنيين وغيرهم، وقد تركت أيضاً أجمل الانطباعات لدي أنا شخصياً لمشاركتي فيها كسفير لبلادي لدى اليابان.

وأود هنا أن استحضر بعض الأمور التي رسخت في ذاكرتي حول هذه الزيارة، والتي تركزت في مدينة العقبة الميناء الوحيد في الأردن حيث التقى بجلالة الملك المعظم ورئيس الوزراء. وتم ترتيب زيارة للسيد كويزومي بواسطة طائرة هيلوكبتر إلى مدينة البتراء الأثرية الفريدة من نوعها بين الآثار العالمية، والتي تم اختيارها كإحدى العجائب السبعة في العالم. وقد قمت بمرافقة السيد كويزومي وبعض من مرافقيه في هذه الرحلة.

وعندما وصل السيد كويزومي ومرافقيه إلى مدينة البتراء، وبعد مرورهم في السيق الذي يوصل إلى داخل المدينة، ويمر عبر الجبال الوردية العالية، كان أول مبنى هام نراه هو مبنى الخزنة، المحفورة في الجبال الصخرية الوردية بشكل رائع. ويبدو أن السيد كويزومي أخذ بجمال هذه الخزنة، وتوجه إليها مباشرة تاركاً الخيمة التي تم نصبها لكي يحصل فيها على استراحة قصيرة قبل بدء الجولة السياحية في المدينة. وكانت السعادة بادية على وجهه بشكل واضح وكأنه كان مأخوذاً بالمكان. وقد أعجب السيد كويزومي أيضاً بوجود جمل وعليه غطاء مزركش تقليدي كان موجوداً لخدمة السياح الراغبين بذلك، عند مدخل الخزنة. وقد سألت السيد كويزومي عما إذا كان يرغب في ركوب الجمل فأجابني انه يرغب بذلك. وبعد أن قام بركوب الجمل سألته عما إذا كان يرغب في القيام بجولة قصيرة على ظهر الجمل فأعرب عن رغبته بذلك وأثناء الجولة كان يتحدث بحماس وسرور بالغين إلى الصحفيين اليابانيين المرافقين عن مدى سعادته بذلك.
وبعد هذه التجربة قام السيد كويزومي بجولة على الأقدام على بعض المعالم السياحية في المدينة وكان يسأل باهتمام بالغ عن الأماكن المختلفة التي كان نمر بها وحتى بعض أنواع الورود الصحراوية التي رآها مثل زهرة الدفلى. وعندما وصل إلى المدرج المحفور في الصخور أيضاً جلس هناك لفترة قصيرة ومن ثم رأيت السيد كويزومي يتوجه إلى مجموعة من السياح الأجانب الذين تصادف وجودهم في المدرج وخاطبهم باللغة الإنجليزية قائلاً أنهم محظوظين ولا شك لزيارة هذا المكان الرائع.

وبعد هذه الجولة عدنا لركوب طائرة الهيلوكبتر للعودة إلى العقبة. على أن الطيار قام بجولة على مختلف أنحاء المدينة لتمكين رئيس الوزراء من مشاهدة مختلف معالمها من الجو. وبعد ذلك اتخذ الطيار مساراً يمر فوق وادي رم الشهير من الصحراء الأردنية وخاصة المنطقة الخاصة فيه المسماة بوادي القمر. وكان المنظر حقيقة خلاباً للغاية ومنظر الرمال الوردية في هذا الوادي ساحراً ليس لرئيس الوزراء فقط ومرافقيه فحسب وإنما لي أيضاً مع أنني زرت وادي رم أكثر من مرة، ولكن المنظر من الجو كان رائعاً كالخيال وفوق حدود التصور والتصوير. وكان السيد كويزومي يسأل طوال الوقت عما يراه ولماذا سميت المنطقة بوادي القمر وغيرها.

وقد لاحظت أن السيد كويزومي بقي مرتدياً لباس الرأس الأحمر (الحطة أو الشماغ) طوال الوقت والذي قدمه إليه مواطن أردني درس في اليابان خلال جولته في البتراء، كوسيلة لاتقاء أشعة الشمس الحارة، وبقي يرتديه حتى عند دخوله إلى الفندق.

والشيء الآخر الذي لفت نظري أن رئيس الوزراء طلب أن يقوم في المساء بتناول طعام بصورة خاصة في احد المطاعم في مدينة العقبة، خارج الفندق. وتم ترتيب ذلك له ولمجموعة صغيرة من مرافقيه من قبل السفارة اليابانية في الأردن. وقد أعلمني بعض المرافقين بان السيد كويزمي قد استمتع بهذا العشاء وانه أمضى سهرة ممتعة له ولمرافقيه.

وقد فكرت حينها بأنه إذا كان رئيس الوزراء ومرافقيه قد استمتعوا وإلى هذا الحد بزيارة البتراء والعقبة فلا شك عندي بأن الزوار اليابانيين الآخرين سيستمتعون أيضاً بزيارة الأردن وأماكنه التاريخية والأثرية المختلفة، وكذلك بتناول أطعمة أردنية. وفي الواقع فقد تصادف أثناء زيارة السيد كويزومي إلى البتراء وجود سائح ياباني مع زوجته في البتراء، وقد أسعدهم جداً أنه يروا رئيس وزرائهم هناك، وذهبوا للسلام عليه. وقد تبادل معهم الحديث لفترة من الزمن، ورغم أنني لم افهم ما دار بينهم من حديث ولكنني لاحظت وشعرت بان حديثهم قد تناول زيارة البتراء وأن السائحين قد عبرا عن سعادتهم بذلك.

وقد قدمت توصية في وقت لاحق إلى وزارة السياحة الأردنية أن تركز بصورة أكبر على تشجيع السياحة اليابانية إلى الأردن وأوصيت باستغلال صور الرئيس كويزومي في البتراء وخاصة صورة الرئيس راكباً الجمل في هذا الصدد خاصة وان الصحف اليابانية نفسها قد قامت بنشر هذه الصورة. وقد حصلنا على إذن من رئيس الوزراء كويزومي في حينها إذا ما رغبنا باستعمال الصورة على شكل بوستر سياحي ولكني لا أدري إذا ما قامت الوزارة لاحقاً باستعمال هذه الصورة كبوستر أم لا.

إضافة لذلك فقد كنت اسمع من اليابانيين الذين يزورون الأردن سواء للسياحة أو العمل أو كمتطوعين لجايكا أو ضمن برامج التبادل الثقافي والتجاري، أنهم قد عادوا بأجمل الانطباعات وأنهم قد استمتعوا للغاية بزيارتهم للأردن من مختلف النواحي. فالأردن يحتوي على العديد من الأماكن ذات الطبيعة الأثرية الرائعة، كالبتراء وجرش وغيرها، والأماكن الفريدة من نوعها كالبحر الميت بمياهه التي تحمل السابحين دون الحاجة للسياحة إضافة لما تحتويه أملاحه المعدنية من فوائد صحية وعلاجية. وكذلك بعض الأماكن ذات الأهمية الدينية مثل المغطس حيث تعمد السيد المسيح.

وقد قيل مرة لو أن سياجاً تم وضعه حول الأردن لاعتبرت كمتحف سياحي وأثري هام عالمياً. والسائح الياباني معروف بحبه للتراث ورغبته في الاطلاع على الحضارات الأخرى والتعرف بشكل واسع على ما يمكنهم التعرف عليه من زياراتهم للبلدان والمناطق الأخرى.

ومن ناحية ثانية، فاليابان نفسها تحتوي على الكثير الكثير مما يجذب السياح من البلدان الأخرى من أنحاء العالم من الأماكن ذات الطبيعة الخلابة والفريدة من نوعها، وما عرف عن الشعب الياباني من حرص على التراث والحفاظ عليه وتطويره. ولا أنسى أن أضيف لذلك كله طبيعة الشعب الياباني نفسه وخصائصه الإنسانية الرائعة وتقاليده العريقة، التي تثير ولا شك إعجاب كل من يزور اليابان من عرب وغيرهم..

ولابد لي هنا أن أشير بشكل خاص إلى مدينة كيوتو العاصمة الأولى لليابان والتي لا زلت اعتبرها العاصمة الروحية لليابان، وكنت أقول للزوار الأردنيين بأن عليهم زيارة مدينة كيوتو حيث يستطيعون أن يلمسوا روح اليابان الحقيقية بما تحويه من معالم أثرية وتراثية رائعة إضافة إلى ما تحتويه من مناظر طبيعية خلابة وأسواق شعبية تاريخية ممتعة وجميلة.

ولقد اخترت شخصياً مدينة كيوتو لتكون مكان شهر العسل عندما تزوجت في اليابان خلال فترة خدمتي الأولى في اليابان. وكنت وعائلتي ننتهز كل فرصة تتاح لنا عند خدمتي الثانية كسفير في اليابان لزيارة مدينة كيوتو وتمضية بضغة أيام فيها. وكان شعوري بالعادة يرافقني في كل زيارة لكيوتو يماثل ما شعرت به خلال أول زيارة لي إليها. وقد سمعت من الزوار الأردنيين الذين قاموا بزيارة كيوتو أنهم قد خرجوا أيضاً بأجمل الانطباعات من زيارتهم للمدينة.

وإضافة لمدينة كيوتو، فاذكر على الدوام زيارة منطقة هاكونيه التي تقع في منطقة جبلية ذات طبيعة رائعة الجمال، وتقع على قمة أعلى جبل فيها بحيرة هاكونيه الجميلة في منطقة تقع على ارتفاع حوالي أربعة آلاف قدم عن سطح البحر.

ومثل هاكونيه فهناك منطقة أخرى اسمها نيكو وتقع أيضاً ضمن مناطق جبلية ذات مناظر طبيعية رائعة، ويقع على قمة أحد مرتفعاتها والتي تصل إلى علو حوالي 5000 قدم عن سطح البحر بحيرة جميلة وخلابة. وقد ذكرت لنا المرافقة السياحية لدى زيارتي لهذه المنطقة لأول مرة ضمن مجموعة سياحية أن هناك مثلاً في اليابان يقول "لا تقل يكفي إلى أن ترى نيكو"، وهذا المثل يعكس فعلاً حقيقة جمال هذه المنطقة التي تلهم الشعر والخيال.

وبالطبع فلا ننسى هنا الإشارة إلى المياه المعدنية التي تزخر بها معظم المناطق اليابانية، والتي يستمتع مستعملوها بالراحة الجسدية والنفسية لدى جلوسهم فيها إضافة لما لها من فوائد صحية. ومع أنني شخصياً لم أتمكن من تحمل درجة حرارتها العالية، إلا أنني وجدت إمكانية لاستعمالها بإضافة مياه باردة إليها، كما توفرها بعض الفنادق في بعض هذه الأماكن. وبالتالي فإن هناك فنادق توفر مثل هذه الخدمة لمن كانوا مثلي لا يتحملون الحرارة العالية بحيث يستطيعون الاستمتاع بهذه الحمامات الرائعة.

وأود أن أشير هنا إلى أن هناك مدينة اسمها بيبو في منطقة أويتا بجزيرة كيوشو، تحتوي على 2800 من الحمامات والينابيع المعدنية الحارة. وقد زرت مرة إحداها ودرجة الحرارة فيها كانت مرتفعة للغاية، بحيث كنت تنزل فيها بيضة وتخرجها فوراً وتكون قد أصبحت جامدة، وبالتالي لا يوجد أحد يتمكن من الغوص فيها وأطلق عليها بالتالي اسم نبع الجحيم لشدة حرارتها.

أما الطعام في اليابان سواء كان من الطعام الياباني بتنوعه الواسع جداً، وتخصص كل منطقة بطعام خاص لها، أو الطعام العالمي فهو طعام ممتاز لا يعلى عليه وعلى جودته ولذة طعمه. وأشير هنا إلى أن اليابان تشتهر بنوع خاص من لحم البقر يطلق عليه لحم كوبيه، من أنواع خاصة من البقر يتم تربيتها والاعتناء بها بشكل خاص يجعل من مذاق هذا اللحم البقري لذيذاً للغاية ولا يوجد ما يضاهيه في العالم كله.
ولعل ذلك كله كان يبرز لدي سؤال دوماً، لماذا لا تقوم اليابان أيضاً بجهود أكبر لاجتذاب السائحين من البلاد العربية لزيارة اليابان؟ صحيح أن ارتفاع السعار في اليابان وخاصة سعر تعادل الين الياباني المرتفع تجاه العملات الأخرى، ولكني اشعر بأنه يمكن إيجاد سبل وطرق لجعل الرحلات السياحية من البلاد العربية إلى اليابان أقل كلفة. وكنت أجد أن الشركات السياحية اليابانية كانت ترتب رحلات سياحية داخلية لليابانيين بأسعار مناسبة وأقل تكلفة من تلك التي تدفعها إذا قمت بالزيارة بترتيب شخصي. أما بالنسبة للطعام الياباني، فكما سبق وذكرت في مقالة لي لبان أورينت، فإن العرب قد أصبحوا يعرفون الطعام الياباني، ويجدونه لذيذاً، والمطاعم اليابانية أصبحت منتشرة في البلاد العربية. كذلك فقد اصبح لأبناء الشعب العربي اطلاع أكثر على اليابان وطبائع وتقاليد شعبها العريق، والتي تثير الإعجاب لدى من يزرون اليابان. كذلك فقد أصبح لبعض المعالم التراثية والفنية اليابانية مثل ترتيب الزهور (الاكيبانا) هيئات وجمعيات تقوم بهذه الأعمال في العديد من البلدان العربية، وعندما كان يعقد مؤتمر للاكيبانا الدولية كل عامين في اليابان، كنت ألاحظ مشاركة العديد من الجمعيات من البلدان العربية وخاصة الأردن.

وخلال فترتي خدمتي في اليابان قامت مجموعات من السياح الأردنيين بزيارات لليابان وإن لم يكن عددها كبيراً، ولكن من التقيتهم من هؤلاء أعلموني بأنهم قد استمتعوا جداً بهذه الزيارات وخرجوا منها بأجمل الانطباعات. كذلك فقد كان الزوار من الأردن الذين قدموا لليابان ضمن برامج تبادل ثقافي وشبابي بدعم من مختلف الجهات الرسمية اليابانية، قد خرجوا بنفس الانطباعات التي يتحدثون عنها لمعارفهم وأصدقائهم لدى عودتهم للبلاد.

وهذه كلها في اعتقادي أمور يجب أن تشجع على العمل لزيادة التبادل السياحي بين اليابان والعالم العربي. وقد سمعت سابقاً عن كاتب لم اعد اذكر اسمه، بأنه قد قال بأن الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا، ولكني في ضوء خبرتي في هذا المجال استطيع أن أقول بأنهما يمكن أن يلتقيا ولا بد من العمل على ذلك.

الأستاذ سمير عيسى الناعوري سفير المملكة الأردنية الهاشمية سابقاً في اليابان

بان اورينت نيوز



رأي