كوفي عنان وجزاء سنمار

في البدء كانت الكلمة

مدريد- الخميس 17 مايو 2012
بقلم الأديب محمد بشير علي كردي

ليس بالزمن البعيد عندما كانت الكلمة تقوم مقام المواثيق في كل أمور حياتنا العائلية والمادية والأخلاقية بما فيها أمور الحكم وعلاقات الحاكم والمحكومين. كانت إشارة باليد أو بطرفة عين تقوم مقام المواثيق المكتوبة وشهادة الحكماء من أهل الحل والعقد. وكانت أعمال البيع والشراء تتم بالكلمة فور وضع يد المشتري على يد البائع مصحوبة بلفظة بارك الله لك.

وحتى الزواج في عقيدتنا الإسلامية يتم بالكلمة ، بالإيجاب والقبول ، فتقول الأنثى لمن اختارته شريكا لها : زوجتك نفسي على سنة الله ورسوله. ويجيبها بقوله قبلت الزواج منك على سنة الله ورسوله. وعندها تنطلق زغاريد النسوة ويتبادل الحضور التهاني، ويوثق المأذون الشرعي ولادة أسرة جديدة حفاظا على حقوق الزوجة ونسب الأطفال.

حتى أمور السلم في الغزوات والحروب كانت تتم بكلمة صدق يتفق علي توقيتها الطرفان المتنازعان.

إلى أن دخلت القوانين الوضعية إلى بلداننا مع دخول الغزاة من الغرب وفرضهم على أمتنا حضارتهم وثقافتهم وقوانينهم ومن بعد تحكموا في أمور دنيانا من مال وأعمال وسياسة لتصب المحصلة في صالح اقتصادهم.

وزاد عليهم المتشبثون بكراسي السلطة باللف والدوران والمراوغة للتنصل مما تم الاتفاق عليه عند توثيق العهود آملا بكسب الوقت للقضاء على من يخالفهم الرأي في إدارة شؤون العباد والبلاد. وليس هذا وقفا على أمتنا العربية وإنما تفنن فيه وأحسن استغلاله الصهاينة وأخذه عنهم بعض من حكامنا الذين صمموا على أن يكونوا أشداء على قومهم رحماء مع مغتصبي مقدساتهم.

هذا واقع الحال اليوم في دمشق، أقدم عاصمة للعرب بعد خطف السلطة من المدينة المنورة وقيام الخلافة التي انتهت مع سقوط الخلافة العثمانية في مطلع القرن العشرين نتيجة دسائس الصهاينة وحربهم على أمة العرب والمسلمين. فالصهاينة في حربهم علينا لا يفرقون بين مسلمنا ومسيحينا فكلنا عرب يرغبون التخلص منا لتهدأ نفوسهم بسرقة الأرض وقد شتتوا أهلها بعد أن قُتل من قُتل وهُجِّر من هُجِّر متناسين ما وفره لهم العرب والمسلمون من حرية وكرامة إنسانية أيام عز الأندلس. وحتى أيام صراعهم مع النازية. ففتحوا لهم أبوابهم وأكرموا وفادتهم. فكان رد الجميل جزاء سنمار.


وسنمار لمن لا يعرفه من جيل اليوم هو مقاول بناء رومي بنى قصر الخورنق بظهر الكوفة للنعمان بن امرئ القيس كي يستضيف فيه ابن ملك الفرس الذي أرسله أبوه إلى الحيرة التي اشتهرت بطيب هوائها لكي ينشأ بين العرب والفرس ويتعلم منهما الفروسية. وعندما تم بناء القصر وقف النعمان وسنمار على سطح القصر. فقال النعمان لسنمار: هل هناك قصر مثل هذا القصر ؟ فأجاب : كلا. ثم سأله عما إذا كان هناك بَنّْاءٌ غيره يستطيع أن يبني مثل هذا القصر فأجاب سنمار مفتخرا بـ لا. وأضاف بأن هذا القصر يرتكز على حجر واحد إذا أزيل من محله انهار القصر بالكامل. سأله عما إذا كان غيره يعلم بموضع هذا الحجر فأجابه بـ كلّا. عندها ألقاه النعمان عن سطح القصر فَخرَّ ميتا. وأصبحت قصته مثلا يتردد كلما عُوقِبَ المُبْدِعُ على إبداعه والمخلص على إخلاصه والمواطن على طاعة من لا يرعون إلًّا ولا ذمة.

في وقتنا الحاضر هنالك شعب عربي أصيل بذل الغالي والنفيس لبناء جيش يحمي حمى الديار ويعيد بيت المقدس والأراضي المحتلة لأهلها الشرعيين. قَبِلَ بحكم العسكر وصلفهم وخشونتهم، ولبى طلباتهم في شد الأحزمة لتوفير متطلبات الجيش من سلاح وعتاد. تغاضى عن سرقات حكامه لرزق المواطنين ومصدر عيشهم ورخائهم إلى " أن فاض في داخله الغيض و استقرا، و الـنـفـس عَـيَّــتْ لا تـحـمــل أذاهــــا" فرفع صوته مطالبا بتبادل السلطة سلميا فقابله الرئيس بكل ما في حسبه ونسبه من وبحشية بالبطش والتنكيل، مسلطا جيش الشعب وعتاده ومعداته لسحق المطالبين بالحرية ومدمرا مساكنهم وقراهم ومدنهم وقاتلا أطفالهم وشبابهم وشبانهم من إناث وذكور.

وبهذا لقي الشعب من رئيسه وجيشه جزاء سنمار ونال الصهاينة الأمن والأمان، وهو وفاء بالعهد ورثه الرئيس عن والده منذ أن سُلمت هضبة الجولان دون قتال. واستنكر الشرفاء إجرام الأسد المتوحش فهدده المجتمع الدولي بالعقاب الرادع فاضطر لأن يعطي عهدا لشيخ الدبلوماسية الدولية السيد كوفي عنان بوقف القتل وبأن يعيد الجند إلى ثكناتهم، ويطلق سراح الأسرى من سجونهم ويعيد المهجرين إلى ديارهم ويعطي الشعب حرية التعبير واختيار النظام الذي يوفر له حياة حرة كريمة، وجاءت التعهدات حبرا على ورق أو كتعهد كتبت أحرفه فوق الرمل فمسحت مع تحرك الرمال. فالقتل والقنص والسجن لا يزال متواصلا تحت سمع وأعين المراقبين الدوليين.

هنا وبإشارة من يد بنيتي توقفت عن الكتابة لأسمع إشادتها بعظمة الشعب الياباني الذي يكفي فرد من مواطنيه رفع خنصر يده ليوثق الوعد ويحترمه وعرف ساسته تناوب السلطة بهدوء كلما رفع الشعب صوته للتعبير عن فشل حكومته في تحقيق أمانيه وتطلعاته.

محمد بشير علي كردي أديب وسفير سابق للمملكة العربية السعودية في اليابان

بان اورينت نيوز


المقالات الواردة في صفحة الرأي تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة بان اورينت نيوز


عزاء لليابان: فبراير. 01


رأي