الروابط الحضارية اليابانية العربية الاسبانية في معهد سرفاتنتس بطوكيو

طوكيو – الاثنين 16 فبراير 2015
بقلم محمد بشير علي كردي

وراءَ كلِّ رجلٍ عظيم إمرأة، قول تؤكده الحياة، وتوثقه التجارب، كأنما هو قبس من نور الخالق، يتجلى في سيرة الخلق، وكأنما هو صرخة الحق في أسماع الكون، رجل تحدوه امرأة، وجهان لعملة واحدة، ليس لأحدهما قيمة دون الآخر، يتكاملان ليشكلا قيمة الحياة، ويحمي كلٌّ منهما وجود صاحبه، ويزكي دوره في منظومة الكون، فكأنما هما ليل ونهار، أو بحار وأنهار، أو شموس وأقمار، ليتمَّ للحياة معناها، وليس من نافلة القول؛ بل من فرضه وصريحه، أن وراء كلِّ سفيرٍ ناجح زوجةً تكمل سعيه في إنجاز مهمته على أحسن أداء وأكمل وجه، فكما أنه لكلَّ إشراقةٍ نورُها في الحياة وفي النفس، ولكلَّ إطلالةٍ جمالُها في العين وفي القلب، فإنه لكل زوجةٍ مشاركةٌ بجانب زوجها ولو كانت زوجةَ نبيٍ، قال تعالى- وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34) سورة الأحزاب.

وكذلك تمام القول؛ وراءَ كلِّ سفير زوجةٌ تعمل جاهدةً في كل جانب، وتسلك كلَّ سبيل لتقديم الجانب الإنساني والحضاري والثقافي لمجتمعها الذي قد يجهله الكثير من العامة، وربما الخاصة، أو تحجبه منهم غمامُ الإعلامِ الموجهِ لخدمة طرفٍ على حساب أطرافٍ أخرى، وهو ما نعاني منه في هذا الزمن العصيب الذي اكتسح فيه تسونامي الفوضى الخلاقةِ والجهالةِ المُنَظمةِ ( التجهيل المقصود) العديد من بلدان العالم العربي مُلْحِقاً بها وبسمعتها وكرامتها الكثير من الظلم والتجني.

وفي طوكيو اليوم - وإنها لأحدى المنجزات المهمة والضرورية - جمعية لزوجات السفراء العرب، تكاد تكون رائدةً ومثاليةً في أنشطتها الإنسانية والحضارية والتراثية للتعريف الصادق بأمة العرب التي كان لها في دورة الحضارة مساهماتٌ في نشر العلم والمعرفة وتبادل الخبرات عبر قرون عديدة، لم تكن فيها المرأة مجردَ شاهدةٍ على حراك العلوم والمعارف؛ بل كانت هي صاحبةَ المخاض والولادة، وكانت القابلةَ والحاضنة، وكانت المربيةَ والمعلمة، وإذا كنّا اليوم نتطلع بكل الرغبة للحاق بمن تقدمنا في العلوم والمعرفة، واليابان في مقدمة هذه الدول التي تتجه لها الأنظارُ، ويُشدُّ إليها الرحال، فإنّ الآمال معقودة على نسائنا أن يقمن بما أمر الله به زوجات الأنبياء أن يشاركنهم بناء الحضارات، وما أشبه عمل السفير بعمل النبي، فكلاهما رسول، النبي رسول العناية الإلهية، والسفير رسول الثقافة الإنسانية والمجتمعية.

ويشهد شهر فبراير الحالي مهرجاناً عربياً بالتعاون مع المركز الثقافي الإسباني سيرفانتيس في طوكيو تقدم فيه العديد من العروض والبرامج الهادفة للتعريف بتراث الشعوب العربية وعاداتهم وتقاليدهم.

وقد يتساءل البعض عن فتح المركز الثقافي الإسباني سيرفانتيس في طوكيو أبوابه لفعاليات شهر عربي والإجابة بصورتها البسيطة. في الحقيقة؛ أن بين العرب وشعوب شبه جزيرة أيبيريا تزاوجاً وقرابةً ونسباً استمر عدة قرون، أثمر عن ولادة وبروز العديد من الفلاسفة والعلماء الذين أثروا بعلمهم وبمعرفتهم ما ننعم به اليوم من إنجازات في مختلف فروع العلوم والمعرفة.

وقد أكرمتني جمعيةُ زوجاتِ السفراء العرب في طوكيو بدعوتها لي لأتحدث من على منبر مركز سيرفانتيس الثقافي عن الروابط الحضارية والإنسانية التي تجمع بين اليابان وإسبانيا والعالم العربي لكوني واحداً من الدبلوماسيين العرب الذين أقاموا لسنوات طويلة في كلٍّ من اليابان وإسبانيا، وبيني وبين اليابان عشق يعود إلى عام 1963 تجدد عام 1998 وإقامة قاربت العشر سنوات، ولم تزل شمس هذا العشق ساطعةً في نفسي، لا يخبو لها أوار، ولا يأفل لها شعاعٌ، ولا أدلَّ على ذلك وأبين مِن زياراتي المتعددة لليابان حتى بعد تمتعي بالتقاعد، كما أنه بيني وبين أسبانيا غرام ثابت كلما تقادم ازداد وثوقاً، وقد اخترتها بلدي الثّاني، أقيم بين ربوعه معظمٓ أيام السنة، بعدما طُويت صفحةُ عملي الدبلوماسي الذي امتدَّ متواصلاً ما بين مدريد ومالقة وماربيا ما يزيد على ثلاثة وعشرين عاما.

وكان لقائي بعضوات جمعية زوجات السفراء العرب في طوكيو وبالقائمين على إدارة مركز سيرفانتيس مساء يوم الجمعة الثالث عشر من شهر فبراير الجاري حاراً وممتعاً، شكرتهم على إعطائي هذه الفرصة لأن أكون بينهم مشاركاً في فعاليات الجمعية الرائدة، وكانت المحاضرةُ من على منبر مدرج المركز الذي غطى الحضور كلَّ مقاعده.

وسرني وأسعدني أن أرى في الصفوف الأولى معالي السفير الإسباني السيد غونزالو دي بينيتو سيكادي الذي تربطني به صداقة ومعرفة، والعديد من سفراء العالم العربي وأمريكا اللاتينية، وأصدقاء لي من كبار دبلوماسيي وزارة الخارجية اليابانية، ذلك؛ إلى جانب العديد من الشخصيات اليابانية والعربية والإسبانية.

وكان بيت قصيد المحاضرة وقطب رحاها طرق الحرير التي سهلت سبل التعارف والتواصل وتبادل العلوم بين شعوب العالم من أقصى شرق آسيا حيث اليابان إلى غرب القارة حيث بلاد العرب مروراً بالقارة الإفريقية، ومنها عبور المضيق الى شبه جزيرة أيبيريا، فالقارة الأوربية، ومنها الى الأمريكيتين، ومساهمة العرب في إثراء الحضارة، وكان الختام دعاءٌ بأن يبارك الله اليابانيين والإسبان وما بينهما وما حولهما من أمم وشعوب، وان يهدى قادة العالم وحكماءهم إلى الحكم بالعدل والمساواة لينعم العالم بالأمن والأمان والاستقرار، وليحيا الإنسان حرا كريما.

مع كل ٌّ الشكر والامتنان لجمعية زوجات السفراء العرب التي دعتني للمشاركة في فعالياتها الثقافية لهذا الشهر، ولمركز سيرفانتيس الذي وجه لي الدعوة ووفر لي المدرج لإلقاء كلمتي، وللسادة والسيدات الذين تفضلوا بالحضور والاستماع.

محمد بشير علي كردي سفير المملكة العربية السعودية سابقاً في اليابان

بان اورينت نيوز


عزاء لليابان: فبراير. 01


فنون وثقافة