أزهار ربيع طوكيو ودماء الربيع العربي
مدريد – الثلاثاء 24 أبريل 2012
بقلم الأديب محمد بشير علي كردي
خاص لوكالة بان اورينت نيوز
أقبلت علينا الحفيدة صباح هذا اليوم بوجه مشرق وابتسامة عريضة لتقول بأنَّها أنهت قبل قليل لقاءً مع صديقنا الياباني عبر شبكة الإنترنت شاركها خلاله في جولة في الشوارع الرئيسة والفرعيَّة المجاورة لمبنى سفارة المملكة العربيَّة السعوديَّة في طوكيو ليريها أشجار الكرز الكثيفة وقد اكتست ببراعم الساكورا التي تفتَّقت عن زهور في غاية الجمال، وألقت بظلالها وأريجها على المشاة. وبوساطة جهاز الـ "آي باد"، نقلها بالصوت والصورة إلى الحدائق العامَّة وقد ازدحمت بآلاف عشَّاق الطبيعة يفترشون البُسط تحت الشجر وعليها موائد طعامهم وشرابهم، وفي أيدي بعضهم آلات موسيقيَّه منطلقين على سجاياهم يتحدَّثون ويضحكون ويرقصون ويغنُّون.
أخبرها الصديق الياباني بأنَّهم يحتفلون هذه الأيَّام بمقدم فصل الربيع، عودة الروح إلى الطبيعة. ومن عادة اليابانيٍّين استقباله بروحٍ مرحة متفائلة يفرغون معها شحنات ضغوط العام المنصرم ومتاعبه. فاللنفوس حقُّ علينا، كما يقول الحديث النبوي الشريف: "رَوِّحُوا عَنِ القُلُوْبِ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ فَإِنَّ القُلُوْبَ إِذَا كَلَّتْ عَمِيَتْ. واستدْراكًا لِمَا يُنسَبُ إلى الإمام عليٍّ رضي الله عنه: إنَّ هذهِ القُلوبَ تَملُّ كَما تَملُّ الأبدانُ، فابتغوا لها طرِائفَ الحِكَمِ. وأضاف بأنَّهم يشتركون معنا في الحكم والإرشادات المُجدِّدة لنشاط البشر والمحفَّزة على تجاوز الأزمات، آملين بأن يكون الغد أفضل من الأمس.
وبشعور من الرضا والفخر، قال بأنَّ اليابانيِّين قادرون على إصلاح ما أفسدته الطبيعة في غارتها العام الماضي على اليابان بتسونامي وزلازل ما تزال تداعياتها قائمة. وبأنَّ علماء اليابان تمكَّنوا من محاصرة تداعياتها البيئيَّة من جرَّاء تصدُّع المفاعل النووي، وعادت منتجاهم تأخذ طريقها للأسواق العالميَّة كالمعتاد.
تقول بُنَيَّتي بأنَّ ما رأته في وجوه اليابانيِّين وهم يحتفلون بموسم الساكورا بمثل هذه الروح والتفاؤل، أعاد إلى وجهها الإشراق وإلى نفسها التفاؤل في مستقبل الأيَّام القادمة. وأعادت على مسامعنا ما قرأته عن احتفال الأجداد قبل آلاف السنين بدخول النيروز، أوَّل يوم من أيَّام السنة الزراعيَّة الجديدة عند المزارعين المصريِّين. ولفظة "نيروز"، في رأيهم، مشتقَّة من الكلمة القبطيَّة (ني - يارؤو)، وتعني الأنهار، لحلوله وقت فيضان النيل، سبب الحياة في مصر. ولذا، فهو موسم الفرح بما يحمل من خيرات. وقد أطلقوا على أيَّامه موسم "شمِّ النسيم". وفيه يخرج ملايين المصريِّين إلى الحدائق والساحات العامَّة للاحتفال بشمِّ النسيم، مقتفين خطى أجدادهم الفراعنة قبل آلاف السنوات، حيث تنمو النباتات وتتفتَّح الزهور، وتخضوضر أوراق الأشجار في هذا الموسم من العام.
ولعلم الفراعنة بخصوصيَّة طبيعة هذا الموسم، خرجوا إلى المزارع والحدائق وحول ضفتيِّ مجرى النيل وتُرعه للاستمتاع بجمال الطبيعة وتناول الفسيخ والملانة والبصل والبيض الذي حرص المصريُّون على أكله في مناسبة حصاد الزرع وتفتُّح الزهور، ولكونه في معتقد الفراعنة، يرمز لـ "الخلق." وبالنسبة إلى الفُرس، فكلمة "نيروز" ترمز إلى "اليوم الجديد". فهي مركَّبة من "ني"، تعني الجديد ومن "روز" تعني اليوم. وقد اختارت شعوب شرق البحر الأبيض المتوسِّط ووسط آسيا "النيروز" اليوم الأوَّل للسنة الجديدة. لذا لم تستغرب بُنيَّتي ما شاهدته على صفحة الـ "فيسبوك" من صور لبلاد الشام بالأبيض والأسود، ومنها صور لأهالي دمشق منتشرين حول مجرى نهر بردى وعند نبع الفيجة وفي بساتين الغوطة، وقد مدُّوا من حولهم موائد الطعام وما يرافقها من أُنس وطرب.
فجأة غاضت الابتسامة عن وجه الحفيدة، وحسرت دموعًا تكاد تتفجر من عينيها، وتهدَّج صوتها وهي تعتذر، فطيف الأحداث الدامية في بلاد الشام تراءى لها، وما آل إليه حال الشعب المطالب بحرِّيَّته من نظام ظالم سرق البسمة حتَّى من وجوه الأطفال، واللقمة من أفواه الجياع! وتساءلت بألم ومضاضة عمَّا إذا كانت خطَّة السيِّد كوفي عنان كافية لإقناع رئيس متشبِّث بكرسي الحكم، ومستخدم جيش الشعب لقتل أبناء الشعب المطالبين بحقِّهم في الحياة كما أرادهم الله، ومنادين بتخلِّيه عن السلطة والرحيل كما فعل قبله الرئيس التونسي المستبد زين العابدين، وليتفادى مصيرًا داميًا كمصير صديقه القذَّافي الذي أسبغ على نفسه من الرتب والألقاب ما لم يسبقه إليها حاكم من الطواغيت! وأنهت حديثها متفائلة بأنَّ لحكمة الله في آية، "لكلِّ ظالم نهاية."
محمَّد بشير علي كردي أديب وسفير سابق للمملكة العربية السعودية في اليابان
بان اورينت نيوز