بين الحبِّ والتملُّك
امبراطور هنا يقود شعبه لبناء بلده وديكتاتور هناك يدمر شعبه وبلده
مدريد – الأحد 15 أبريل 2012
بقلم الأديب محمد بشير علي كردي
تسأل بُنيَّتي عن القاسم المشترك في سلوك الحكَّام حين تواجه بلدانهم الكوارث، آخذة اليابان مثلاً بعد أن ضربتها الزلازل قبل عام، وطغت على شواطئها ومدنها وقراها وأريافها موجاتُ تسونامي المحيطات فدمَّرت مدنًا وقرًى ومساكن ومزارع، وقُتل وجُرح وشرَّد واختفى من فوق الأرض مئات الألوف من خلق الله!
تقبَّلت اليابان إمبراطورًا وقيادة وشعبًا غضب الطبيعة بكلِّ الصبر والأناة، وهبَّت فِرَقُ الإنقاذ من محترفين ومتطوِّعين لمساعدة المنكوبين ونقلهم لأماكن آمنة وتوفير متطلَّباتهم المعيشيَّة. كان هناك ترشيد في الإنفاق وترشيد في الاستهلاك، تناقلت صوره وسائل الإعلام العالميَّة ونال تقدير كلِّ مَن شاهد صوره وإعجابهم. وتتالت التقارير عن إعادة بناء البنية التحتيَّة وتعمير ما دمَّرته الكوارث.
لم يكن ذلك بالجديد على اليابانيِّين بعد أن وقفوا وقفة رجل واحد خلف إمبراطورهم هيرو هيتو في إعادة بناء بلدهم بعد هزيمة حرب 1945، فأقاموا يابان اليوم التي تتربَّع على قمَّة هرم الاقتصاد العالمي.
في المقابل، تأخذ بُنَيَّتي مثلاً تداعيات تسونامي الحرِّيَّة الذي اجتاح العديد من الدول العربيَّة بادئًا بتونس، وقد خلَّصها من رئيسها الديكتاتور زين العابدين بن علي وبطانته، فمصر وقد أزاح عن كاهل شعبها الرئيس محمَّد حسني مبارك وتسلُّط عائلته على رزق العباد ومستقبل البلاد، فليبيا وقد غيَّبت ثورتها عن الحياة ديكتاتورها الذي أخذته العزَّة بالإثم بجمعه من ألقاب التعالي والتطاول ما لم يجمعه أيٌّ من الملوك والأباطرة. فهو كما لقَّب ذاته: الزعيم وقائد الثورة الليبيَّة وأمين القوميَّة العربيَّة وعميد الحكَّام العرب ورئيس الاتِّحاد الأفريقي وملك ملوك أفريقيا، وقائد الطوارق ورئيس تجمُّع دول الساحل والصحراء، وقائد ما يسمَّى بـ "القيادة الشعبيَّة الإسلاميَّة" وآخرها، إمام المسلمين العقيد معمَّر القذَّافي.
وقد قضى التسونامي على مراوغة الرئيس علي عبد الله صالح في اليمن، فأنهى حكمه التعسُّفي. ويضرب تسونامي الحرِّيَّة منذ أكثر من سنة سورية حيث آل الأسد قد عاثوا في الأرض فسادًا وسلَّطوا أقاربهم وأتباعهم على رزق العباد وما تنتجه البلاد من خيرات. فكانت رغبة المواطنين إبدال النظام ليحلَّ محلَّه نظام يوفِّر لهم وللأجيال القادمة حياة حرَّة شريفة تسودها العدالة والحرِّيَّة والمساواة. وقف الرئيس بشَّار الأسد وعائلته وأزلامه في وجه تسونامي الحرِّيَّة مستخدمًا الجيش الذي موَّله الشعب منذ يوم ولادته بالمال والعتاد ليحميه من عاديات الزمن وليساعد الفلسطينيِّين على تحرير بيت مقدسهم من الأسر الصهيوني بعد هزيمة حرب 1948، ومن بعد لتحرير هضبة الجولان السوريَّة التي يقول سوريون بأنَّ والده سلَّمها للصهاينة دون قتال في حرب 1967، فإذا بهذا الجيش يوجِّهه الدكتاتور لضرب المطالبين بإسقاط النظام، وقتلهم وتدمير المساكن والمزارع في المدن والقرى والأرياف، ليسقط من الشهداء ما قارب العشرة آلاف، ومن الجرحى أضعاف ذلك، وهاجر إلى بلدان الجوار أكثر ممن قُتل أو جُرح، ناهيك عن الموقوفين والمفقودين.
وتعود بُنَيَّتي لتسأل عن أوجه الشبه بين القادة في اليابان والقادة في البلدان التي ضربها ولا يزال يضرب بعضها التسونامي! فقلت لها إنَّ الفارق خيط رفيع كخيط الحرير. إنَّه الفارق بين الحبِّ وبين التملُّك. فهناك في اليابان إمبراطور وقيادات سياسية محبَّة لوطنها، وتعمل من أجل تقدُّم الشعب ورفاهيَّته. وهنا في الدول العربية مثل سوريا رؤساء وقيادات سياسيَّة تتصرَّف كمالك وحيد للعباد والبلاد. تُنعم على ذوي القربى ومحسوبيها، وتُضيِّق على غالبيَّة المواطنين، وتُمارس بدم بارد القتل والمصادرة والتشريد والتهجير لكلِّ مَن يعترض سلوكها أو يطلب منها التحول من التملُّك إلى الحبِّ.
محمَّد بشير علي كردي أديب وسفير سابق للمملكة العربية السعودية في اليابان
بان اورينت نيوز