باباعمرو وهيروشيما وناغازاكي
مدريد- الأحد 18 مارس 2012
بقلم الأديب محمد بشير علي كردي
يشدُّني ما تبثُّه الفضائيَّات الأخباريَّة ساعة بساعة عن تردِّي الأحوال في سورية، واستمرار قصف جيش نظام الأسد للقرى والمدن التي طالب شبابها وشيبها ونساؤها وأطفالها بإسقاط النظام. وتشدُّني رشا للخروج من هذا الواقع المؤلم بطرحها أسئلة وتساؤلات.
ومنها عودتها للحديث عن مقابلتها الأخيرة مع الصديق الياباني على شاشة الإنترنت، وحديثه لها عن أصل بنات الجيشا وفصلهنَّ، وعمَّا أبقين عليه من التراث في العديد من الفنون والآداب، ناهيك عن أصول الترفيه والترويح عن النفس، ممَّا نراه اليوم قائمًا على خشبة العديد من المسارح ومنها الكابوكي والنو ذائِعا الصيت. وماثلت بين ذلك وبين ما تركته محظيَّات السلاطين والمقرَّبون من بلاطهم من أدباء وشعراء وموسيقيِّين إبَّان الخلافة في بلاد المشرق العربي، وفي ربوع الأندلس من ذخيرة أدبيَّة وفنيَّة وترفيهيَّة لم يَجُدْ الزمن بمثلها حتَّى اليوم.
أعادت إلى ذاكرتي ما كتبه الأديب والمبدع الشريف حسين عبد الله سراج يرحمه الله- عن غرام ولادَّة وابن زيدون من روايات قدَّمها التلفزيون السعودي في ستِّينيَّات القرن الماضي، فشدَّت المستمعين إلى الراديو كما تشدُّ المشاهدين اليوم مباريات كرة القدم بين فريقي ريال مدريد وبرشلونة إلى شاشة التلفزيون، ومن قبل روايات عاشق الأندلس الأديب الإسباني أنطونيو غالا.
فعدت إلى مكتبتي معاودًا قراءة ما فيها من كتب هذين الأديبين العملاقين، وأمضيت وقتًا ممتعًا مع القراءة والتأمُّل لم يقطعه إلاَّ دعوة أم البنين لي لمشاهدة ما على شاشة الفضائيَّات من لقطات حيَّة عن الدمار الذي حلَّ بضاحية بابا عمرو في حمص وفي مدن الشمال وقراه، وفي إدلب وجبل الزاوية تحديدًا، وفي العديد من المدن والقرى والأرياف في سورية، وما وثَّقته المصادر بلقطات فيديو من أعمال قتل وترويع للعناصر التي يُشتبه أنَّها وقفت مع جيش سورية الحرِّ للتخلُّص منهم قبل دخول هيئات الصليب الأحمر الدولي والهلال الأحمر السوري إلى تلك المناطق لإنقاذ مَن لم يزل لديهم من العمر بقيَّة، وتقديم الغذاء والكساء للمحتاجين المتمسِّكين بأطلال بيوتهم التي هدمها قصف الجيش النظامي بالعديد من أسلحة الدمار.
يؤكِّد الأمين العام للأمم المتَّحدة حصوله على توثيق لأحداث تدين النظام بالإبادة الجماعيَّة، وتحديه بذلك كلَّ الأعراف والمواثيق المتعلِّقة بحقوق الإنسان. وتؤكِّد أمُّ البنين بأنَّ ضاحية بابا عمرو في حمص سيخلِّدها التاريخ كما خلَّد هيروشيما وناغازاكي، وأنَّ عودة الحياة لها وقد ارتدت ثوب الحرِّيَّة ووشاح الاستبسال ستماثل عودة الحياة إلى اليابان حينما ارتدت هيروشيما وناغازاكي ثوبَّ الثقة بالنفس والعزم على إعادة البناء.
وتعود رشا لانتشالي من الكآبة التي بانت على وجهي بتلاوة الآية القرآنيَّة الكريمة وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ". وتسأل عمَّا إذا كان لمفهوم هذه الآية واجب على محبيِّ السلام في سورية يمكِّن الشعب السوري من التخلُّص من محنته القاتلة؟ إذا كان كذلك، وقد فشلت كلُّ جهود الوساطة الخليجيَّة والعربيَّة والدوليَّة في إقناع حكَّام دمشق بالتنازل عند إرادة الشعب، فإنَّ الدعم العسكري من الأقربين هو أمر مشروع قرآنيًّا وأخلاقيًّا وإنسانيًّا، إلاَّ إذا كان هناك خوف ووجل من التنِّين الصيني والدبِّ الروسي اللذين يحرصان على "مربط عنزة" في شرق البحر الأبيض؟ ومن العمِّ سام الذي لا يزال يحرص على ضمان أمن إسرائيل ويرى في زمرة حكَّام دمشق خير من يحفظ العهود ويحافظ على هدوء جبهة الجولان، فتتأرجح تصريحات سياسيِّيه بين تأييد لمطالب الشارع السوري وحرص على بقاء الأسد، فانتخابات الرئاسة الأمريكيَّة على الأبواب، ولا بدَّ من أصوات الصهاينة للتجديد للرئيس الحالي الذي جاهر بتنفيذه كلِّ ما طُلب منه لضمان أمن إسرائيل، أو اختيار البديل المطاوع. واستأذنت رشا بالانصراف للحاق بمظاهرة سلميَّة تطالب الأسد بالنزول عن "عرينه" المهزوز.
محمَّد بشير علي كردي أديب وسفير سابق للمملكة العربية السعودية في اليابان
بان اورينت نيوز