وردة حبٍّ لشعبٍ صديق وإمبراطورٍ عظيم

مدريد - الأحد 11 مارس 2012
بقلم محمد بشير علي كردي
خاص لوكالة بان اورينت نيوز

يومُ الأحد، يومُ العطلة الأسبوعيَّة، تجتمع فيه الأسرة والأصدقاء إلى مائدة البرانش (وجبة فطور متأخِّر أو غداء متقدِّم)، نصطفُّ حول المائدة لتناول تشكيلة من الأطباق المشرقيَّة من بينها الزيتون والزيت والزعتر واللبنة والبيض المقلي والمسلوق والفول المدمَّس والحمِّص بالطحينة والمربَّيات.

وجبة مشرقيَّة تعيدنا إلى أيَّام طفولتنا في بلدان مسقط رؤوسنا، فتُرحِعُ لنا أحلى ذكريات الماضي لتعوِّضنا بعض الشيء عن هذه الأيَّام الحزينة التي تعيشها بلدان من عالمنا العربي في موجة "تسونامي" الحرِّيَّة وتداعياته التي لا تزال تحصد العديد من أرواح المواطنين الأبرياء الذين خرجوا إلى الشوارع والميادين، بروح مُستمدَّة من مقالة الخليفة الراشد: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمَّهاتهم أحرارًا؟" وبصدور عارية تواجه مدرَّعات قوَّات نظام قام على التسلُّط والتحكُّم بمصير البلاد والعباد، مطالبين بإسقاطه ورحيل الطغاة، فيسقط منهم العديد من الشهداء والجرحى والأسرى الذين لا يعلم مصيرهم إلاَّ الله.

في هذا الصباح، أضافت بنيَّتي إلى ما على المائدة تشكيلة من السوشي، واستبدلت شاي الربيع بشاي ياباني، والمناسبة كما قالت، مرور عام على الكارثة البيئيَّة التي حلَّت بشمال اليابان من زلزال مدمِّر و "تسونامي" هائج قضى على العديد من المدن والقرى والمزارع، وأتى على حياة الألوف من المخلوقات، وهجَّر مئات الألوف ممَّن كُتبت لهم النجاة إلى المدن الأكثر أمنًا التي استضافتهم بما عُرف عن البيت الياباني من تآلف أفراده وتوادِّهم.

واليوم عاد المهجَّرون إلى مدنهم وقراهم ومزارعهم وقد اكتست حلَّة جديدة بمواصفات أكثر أمنًا واستقرارًا. وقد اكتسب علماء اليابان المزيد من المعرفة بعلوم مواجهة الأزمات والتخفيف من نوائبها أيضًا. وفي تقدير الجميع أنَّ هذا الإنجاز في إعادة التعمير ورجوع المهجَّرين هو قياسي بكلِّ المعايير، ويستحقُّ الدراسة في مراكز الأبحاث المماثلة في دول العالم كافَّة.

لم تستغرب بُنيَّتي هذا الإنجاز، وردَّدت قول الشاعر العربي السوري عمر أبو ريشة رحمه الله:

هَكَذَا المِيْكَادُو قَـدْ عَلَّمَنَا أَنْ نَرَى الأَوْطَانَ أُمًّا وَأَبَا

وأضافت هكذا يكون الزعماء والقادة، عندما يخلصون لشعوبهم القول والعمل كالإمبراطور ميجي بقوله لشعبه لا تكتموا المعرفة والإمبراطور هيرو هيتو حين خاطب شعبه إثر هزيمة اليابان ، وخيَّرهم بين البكاء على الأمجاد التي ضاعت أو بين إعادة البناء! فاختاروا إعادة البناء عن طريق السباق في العلوم والمعارف مع من كانوا سببًا في هزيمتهم.

لم تُثر اهتمامي الوردة التي قطفتها بُنيَّتي لتوِّها من حديقة المنزل، فما كان منها إلاَّ أن زيَّنت بها صورة للإمبراطور أكيهيتو مع والدها وهو على رأس عمله سفيرًا للمملكة العربيَّة السعوديَّة في طوكيو، وأضافت بأنَّه يسير على خطى آبائه وأجداده، وأنَّها تقدِّمها لجلالته بمناسبة نجاح العمليَّة الجراحيَّة واستعادته كامل نشاطه ممَّا مكَّنه من مشاركة شعبه في احتفالات ذكرى هذا اليوم المجيد. وتمنَّت أن أبلِّغ تهانينا لشعب اليابان العظيم مع الدعاء لجلالة الإمبراطور أكيهيتو بالصحَّة التامَّة وطول العمر.

استجابة لطلب عزيز، وتأكيدًا لحبٍّ وتقديرًا لشعب اليابان وإمبراطوره، كانت هذه الأسطر التي أخصُّ بها وكالة بان أورينت نيوز في طوكيو.

محمَّد بشير علي كردي أديب وسفير سابق للمملكة العربية السعودية في اليابان

الصورة: الإمبراطور أكيهيتو والإمبراطورة ميتشيكو
مصدر الصورة: وكالة البلاط الإمبراطوري

بان اورينت نيوز



رأي