تمنيات صديق ياباني بعام جديد يعيد الأمن والأمان إلى مهد الحضارة وأرض المقدَّسات
مدريد- الإثنين 2 يناير 2012
بقلم الأديب محمد بشير علي كردي- خاص لوكالة بان اورينت نيوز
لا يقتصر الجدل على ما يبدو بين أبناء الوطن العربي العلمانيِّين والإسلاميِّين في طبيعة الحكم في بلدانهم التي اجتاحها "الربيع العربي" أو "تسونامي الحرِّيَّة"، بل أصبح حديث العالم قاطبة وشغله الشاغل! وتكاد لا تخلو واحدة من كبريات الصحف العالميَّة من الحديث عن الدولة الإسلاميَّة التي تأتي بها انتخابات حرَّة نزيهة كما هو الحال في المجتمعات الغربيَّة!
ولا ينحصر الخوف من تلك الدولة في "الليبراليِّين" العرب خاصَّة، بل سرى مسرى النار في الهشيم في الغربيِّين عمومًا، والصهاينة الذين ما فتئوا يصبُّون نار حقدهم وحُمم غيظهم على حكومة حماس التي اختارتها أغلبيَّة الشعب في انتخابات حرَّة نزيهة طالما طالب الغرب الشعوب العربيَّة وأصرَّ على ممارستها!
لم أستغرب اتِّصال صديقٍ من اليابان، يسأل عن الفرق بين الدولة الإسلاميَّة وبين الحكومة المدنيَّة التي ينشدها العديد من الفئات والتيَّارات السياسيَّة العربيَّة التي ترفض رفع شعارات دينيَّة؟
رجتني الصديقة رشا أن تحاول الإجابة عن سؤال الصديق الياباني، وقد سرَّني ذلك. قالت بأنَّ الإسلام دين الفطرة كما قرأت عنه في دراساتها. وكلُّ إنسان يولد على الفطرة، وأبواه إمَّا يهوِّدانه أو ينصِّرانه، كما ورد في الحديث النبويِّ الشريف. وما من أحد منَّا اختار معتقده أو مذهبه، لكن بوسعه اختيار سبل معايشته لمجتمعه وقبوله الآخرين فيه مهما اختلفت آراؤهم ومعتقداتهم. وهنا تبرز مكارم الأخلاق ودورها في إشاعة المحبَّة والمواطنة السويَّة، وفي القرآن الكريم العديد من الآيات الموجِّهة للسلوك القويم، ومنها الآية 13 من سورة الحُجرات، ونصُّها: ﴿ِيَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذّكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوْبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيْمٌ خَبِيْرٌ﴾.
هنا تصبح التقوى مقياسًا للسلوك بغضِّ النظر عن الانتماءات الطائفيَّة والمذهبيَّة. سلوك لا يفرِّق بين إنسان وآخر من خلق الله الذين جعلهم شعوبًا وقبائل ليتعارفوا لا ليختلفوا ويتفرَّقوا ويتنازعوا أمرهم فيما بينهم. إذًا، الإسلام كما يُفهم من الآية الكريمة وغيرها الكثير، يدعو إلى دولة مدنيَّة تلتزم بمكارم الأخلاق، وبالتعايش السلمي والأخوي بين طوائف المجتمع كافَّة، وأن صناديق الانتخابات الحرَّة هي السبيل إلى سدَّة الحكم.
لم يكتف الصديق الياباني بالإجابة عبر التواصل الإلكتروني بالصوت والصورة، فتساءل مستفسرًا: لقد كسب الإسلاميُّون معظم المقاعد البرلمانيَّة في الانتخابات الأخيرة التي جرت، وتلك التي ما تزال تجري في البلدان الرئاسية التي أنار سبيلها "تسونامي الحرِّيَّة"، فهل سيقيمون دولة إسلاميَّة في مجتمعاتهم؟ وماذا لو اعتبرت إسرائيل تلك الدول تهديدًا لأمنها، وبالتالي تثير قلق الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة والدول الغربيَّة التي لا تُخفي سياستها لحمايتها وبقائها؟
ردَّت رشا بأنَّ غالبيَّة سكَّان تلك الدول يدينون بالإسلام، وبالتالي لا يمكن أن نطلق على حزب ما بأنَّه حزب إسلامي وغيره من الأحزاب غير إسلاميَّة. ليس في الإسلام كهنوت ينصِّب وسطاء بين المرء وخالقه. ومَن اختارته صناديق الاقتراع لرعاية مصالح العباد عليه أن يلتزم بمكارم الأخلاق إن كان فعلاً ممَّن آمنوا بالله وملائكته وكتبه ولا يفرِّق بين أحد من رسله. وإن الخلق كلَّهم عيال الله وأقربهم لله أنفعهم لعياله.
ردَّ الصديق الياباني بابتسامة تقدير، فهو يعرف التزام رشا بصلاة الأحد، وقناعتها بأنَّ الدين لله والوطن للجميع. وأضاف بأنَّ العرب على ما يبدو مُدانون إن هم استجابوا وفعلوا ما يطلب الغرب، أو لم يفعلوا. وختم الحوار بتمنيَّات أن يأتي العام الجديد 2012 ليمحوا الأيَّام السوداء الدامية التي يعيشها عرب شمال الجزيرة وجنوبها وإخوانهم في وادي النيل، ويعود الأمن والأمان والاطمئنان إلى مهد الحضارة وأرض المقدَّسات.
محمَّد بشير علي كردي أديب وسفير سابق للمملكة العربية السعودية في اليابان
بان اورينت نيوز