رقيُّ الأمم في ولائها للوطن، والاجازات ``الحبيَّة``

جدة- الجمعة 16 ديسمبر 2011
بقلم الأديب محمد بشير علي كردي – حصرياً لوكالة بان اورينت نيوز

علَّقت بُنَيَّتي على حديثي عن اليابانيِّين الذين كنت قد التقيتهم في الطائرة أثناء ذهاب وإياب ما بين طوكيو ولندن وبالعكس، وهم يقضون إجازة نهاية الأسبوع في كلٍّ من لندن وباريس. وسألت مستهجنة عن مبرِّر عَجَلتهم، وفي وسعهم الاستفادة من أيَّام إجازاتهم الإداريَّة لقضاء بضعة أيَّام أخرى في العاصمتين المميَّزتين لِما فيهما من أماكن تستحقُّ المشاهدة!

أجبت بأنَّ اليابانيِّين أكثر شعوب العالم المتقدِّم حرمانًا من العطلات، إذ لا يتعدَّى متوسِّط إجازاتهم تسعة أيَّام في العام الواحد، وبأن الفرنسيِّين هم أصحاب النصيب الأكبر من العطلات السنويَّة من بين الأوربيِّين إذ يتمتَّعون بـ 34.5 يومًا، بينما يتمتَّع موظَّفو الولايات المتِّحدة الأمريكيَّة بنحو 14 يومًا، والنيوزيلنديُّون بـ 17يومًا والأستراليُّون بـ16 يومًا.

بشيءٍ من الذهول والاستغراب والاسترسال، عقَّبت بُنيَّتي قائلة: إنَّنا في المملكة قد نكون من أكثر شعوب العالم تمتًّعًا بالإجازات والعطلات الرسميَّة والحبيَّة. فالرسميَّة 10 أيَّام لعطلة عيد الفطر المبارك، ونحو 20 يومًا لعيد الأضحى المبارك وموسم الحج، ويوم واحد لليوم الوطني. والإجازة السنوية للعاملين في القطاعين العام أو الخاص، تتراوح ما بين 30 إلى 45 يومًا، وللطلبة والمدرِّسين نحو تسعين يومًا إجازة الصيف، و10 أيَّام إجازة منتصف العام الدراسي، يضاف إليها تمكُّن الموظَّف والعامل من الحصول على إجازات مرضيَّة تصل إلى45 يومًا، وإجازات اضطراريَّة بحدود 10 أيَّام.

أمَّا الإجازات "الحبيَّة" أو تلك التي يطلبها الموظَّف والعامل بالأمر الواقع، فهي أكثر من أن تعدَّ، كالتوقُّف عن العمل في الأيَّام الممطرة والأيَّام المحمَّلة بالغبار والأتربة، والحاجة لزيارة مدرسة أبنائه لأكثر من مرَّة في الشهر الواحد لتفقُّد سيرهم في الدراسة! ومراجعته الدوائر الرسميَّة للتعقيب على معاملة أو استخراج وثيقة أو رخصة رسميَّة، وزيارة الأطبَّاء لعلاجه ولعلاج أسرته المباشرة وغير المباشرة، وعيادة المرضى من الأهل والأقرباء والمعارف الذين قد يكونون بعيدًا عن مقرِّ العمل، ووفاة أحد الوالدين أو الجدَّين أو الأقرباء وما إلى ذلك!

وهذا قد يستغرق نصف العام تقريبًا ما بين عطلات وإجازات وتهرُّب من العمل. وما تبقَّى من أيَّام العام، يتوقَّف العمل فيها ساعتين يوميًّا لأداء صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء، بينما لا تتعدَّى مدة أدائها مجتمعة العشرين دقيقة في اليوم الواحد. وغالبًا لا يتمَّ التقيُّد بأوقات الدوام، فإمَّا أن يتأخَّر موعد البدء بساعة، ويتقدَّم وقت الانتهاء بنحوها.

بعد هذا الاستسهاب في تفصيل إجازاتنا في المملكة، سألت بُنيَّتي مستفسرة عن الدافع المحفِّز للدول المتقدِّمة كاليابان لتقليص أيَّام العطلات والاكتفاء بقليل القليل منها؟

أجبتها بأنَّه الولاء للوطن والحرص على تقدُّمه في الانتاج الذي يسبقه التفوُّق في الابتكار والبحوث العلميَّة! وذكرت لها ما لاحظته من إقبال الطلبة الجامعيِّين على زيارة جامعاتهم مع ذويهم في عطلات نهاية الأسبوع لتفقُّد مكتبة الجامعة ومتابعة بحوثهم العلميَّة مستفيدين من تفرُّغ مدرِّسيهم للمساعدة، إضافة إلى عقد دورات دراسيَّة يشارك فيها من يهمُّه موضوع الدورة من موظَّفي الوزارات والقطاع الخاص من خارج الجامعة. وذكَّرتها بأنَّه كان للمملكة نصيب في عقد دورة في عطلات نهاية الأسبوع في جامعة إيواسا في طوكيو عن العلاقات السعوديَّة اليابانيَّة، استمرَّ لستَّة أسابيع، نال المشاركون فيه شهادة تخرُّج.

هذا حال الشعوب التي تجدُّ وتسعى لمستقبل أفضل. وقد أحسنت حكومتنا الرشيدة صنعًا بابتعاثها مئات الألوف من الطلبة والطالبات إلى العديد من جامعات العالم المتميِّزة، ومنها جامعات اليابان للتعليم العالي والتقني مما سيؤهِّلهم عند عودتهم إلى الوطن من المساهمة في إرشاد الجيل الجديد لسبل التقدُّم والرقيِّ، وفي مقدِّمتها ترشيد الوقت وإيلاؤه الوطن ما يستحقَّه من جهد وعطاء.

محمَّد بشير علي كردي أديب، وسفير سابق للمملكة العربية السعودية في اليابان

بان اورينت نيوز


سعد الخبايا: مارس. 22


اليابان والدول العربية