الربيع العربي يثير قلق الصين ``الديكتاتورية``
"شعب الصين يركع منذ وقت جداً لدرجة أنه نسي كيفية الوقوف"
طوكيو- الأحد 23 اكتوبر 2011 /بان اورينت نيوز/
السلطات الصينية "الديكتاتورية" أصبحت تتردد في استخدام كلمة "الثورة" وأعدت استراتيجية لمراقبة الإنترنيت، استناداً إلى محللين يابانيين وأمريكيين فسروا ذلك بحالة القلق التي تنتاب الحزب الشيوعي الذي يحتكر السلطة لأكثر من ستين عاماً لمنع حصول ربيع صيني على الطريقة العربية من خلال انتقال موجة التظاهرات والثورات العربية إلى الشعب الصيني الكترونياً.
ويرى المحللون بأن للصين حالياً نفوذ اقتصادي وسياسي كبير على المسرح العالمي، ولكن الكثير من الصينيين غاضبون بسبب الفساد والتفاوت بين الأغنياء والفقراء إضافة إلى أن اضطهاد حقوق الأفراد من قبل أشخاص مرتبطين بالأجهزة الأمنية الصينية مازال على حاله منذ اندلاع الثورة الصينية،
وتقول صحيفة نيهون كيزاي شيمبون اليابانية في تقرير من بكين عندما بدأت محطة التلفزيون المركزي الصيني بث مسلسل درامي عن الثورة في نهاية سبتمبر الماضي، ونشرت صحيفة الشعب اليومية، الناطقة بلسان الحزب الشيوعي، مقالات تعلن أن "الحزب الشيوعي قد ورث روح الثورة، فإن تلك الأعمال لم تقدم سوى تحليلاً بسيطاً لذلك الحدث. وأحد أسباب ذلك هو أن السلطات مترددة في استخدام مصطلح "الثورة،" نظرا لارتباطها بالربيع العربي.
وتحت عنوان "شعب الصين يركع منذ وقت جداً لدرجة أنه نسي كيفية الوقوف" تتابع الصحيفة بأن حقوق الإنسان في الصين مازالت مقيدة كما كانت دائماً. فمنذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية قبل 62 عاماً، حافظ الحزب الشيوعي على حكم الحزب الواحد، وعزز سيطرته من خلال فرض قيود على حرية التعبير وغيرها من الأنشطة غير المرخصة.
وكمثال على ذلك تتحدث الصحيفة اليابانية عن "محنة" مزارع بعمر 58 سنة في إقليم هونان "قُُتِلَ ابنه على يد شبان محليين قبل أربع سنوات، لكن القتلة نجوا بأحكام خفيفة جداً. ويعتقد المزارع أن المحكمة كانت متساهلة لأن "والد أحد القتلة كان مسؤولاً في الأمن المحلي.
وجاء المزارع إلى بكين في أغسطس ليتقدم بطعن في مكتب الالتماس الرئيسي. ويقيم في سكن يكلف 10 يوان (1.5 دولار تقريباً) في الليلة، ويعتزم مواصلة الضغط في قضيته طالما أن لديه مال. ويقول "ما زلت مستمر بالاستئناف، على أمل أن يتم الحكم بإعدام القتلة الذين حصلوا على أحكام خفيفة ظلماً."
والمئات من مثل هؤلاء الناس من جميع أنحاء الصين يجتمعون أمام مكتب الاستئناف كل يوم للطعن بالأحكام الظالمة. ونظام العريضة يحاكي ظاهريا النظام الإمبراطوري الذي قدم للناس فرصة لتقديم الطعون مباشرة، لكنه مجرد هيكل عظمي في هذا الإطار. وفي الواقع، شوهدت سيارات الأمن من خارج بكين في محيط المكتب، ما يوحي بأن السلطات المحلية تراقب هؤلاء الملتمسين. وكثيرا ما كان يتم توقيف هؤلاء الناس الذين يقطنون في المساكن المحيطة."
وفي كلمة ألقاها في 30 سبتمبر، عشية عيد الصين الوطني، قال رئيس الوزراء وين جيا باو: "سوف نحمي حقوق الشعب الديمقراطية ونحافظ على نزاهة القضاء." لكن المواطنين الذين شاهدوا الانتفاضات الأخيرة في الشرق الأوسط أصبحوا أكثر وعيا لحقوقهم وصبراً من أجل الإصلاح السياسي، حسب الصحيفة اليابانية.
وبينما يمكن للناس التصويت لاختيار الممثلين الإقليميين لمؤتمر الشعب الوطني مرة كل خمس سنوات، يختار الحزب الشيوعي المرشحين مقدماً، ما يلغي دور القضاء عملياً.
وأعلن قاض محلي في إقليم هوبى (موقع أول انتفاضة ناجحة أثناء الثورة) في أواخر يوليو في مدونة خاصة إنه سيرشح نفسه للمؤتمر. وكتب هوانغ زيجيا، بعمر 39 سنة، إن "الصين كانت في الأصل دولة من المفترض أن يقوم شعبها بدور قيادي. وصوت واحد يمكن أن يغير مصير الأمة." وأضاف "إذا لم نطهر البيروقراطيين الفاسدين، فلن ينعم الشعب بفرصة طيبة." وفي اقتراع 19 سبتمبر، حصل هوانغ على 500 صوت – أقل بمائة صوت من العدد المطلوب.
ومنذ مايو، أعلنت أكثر من 30 شخصية من عموم البلاد (من طلاب وموظفين وغيرهم) ترشيح أنفسهم بدون موافقة حزبية، وبنشرها على الإنترنت على طريقة هوانغ فإنهم أصبحوا "مرشحين مستقلين."
وقد تدخلت السلطات بانتظام خلال موسم الانتخابات. وفي نهاية يونيو، اختفى ياو ليفا، الذي أعطى تعليمات إلى العديد من "المستقلين"، وربما أنه موقوف لدى الشرطة. وبرغم هذا، قال لى تشينغبينغ، 43 سنة، مؤلف وواحد من هؤلاء المرشحين، "الشعب الصيني يركع منذ وقت طويل جداً، ونسوا ببساطة كيفية الوقوف."
وهذا يتفق مع تأكيدات لو شون، الباحث الذي كان واحدا من الأعمدة الروحية لثورة ألوهين الصينية، في أن هذا الصراع بين السلطات السياسية وإرادة الشعب لم يتغير عما كان عليه قبل قرن من الزمان.
دروس للصين من إنترنت الربيع العربي
ويقول ريتشارد فونتين، مستشار كبير في مركز الأمن الأمريكي، في مقالة نشرتها "دبلومات" أن الربيع العربي قدم بعض الدروس المفيدة لدول مثل الصين حول الطرق التي تنجح في قمع المعارضة، والطرق التي يكون لها نتائج عكسية، كما أفاد الدول التي تقول بأنها تسعى لنشر الديمقراطية بترويج التواصل عبر الإنترنيت.
وبينما يتحول "الربيع العربي" إلى خريف، يجمّع المراقبون حول العالم معلومات عما حدث هذه السنة، لماذا، وأين يمكن أن يحدث التالي. ودور الإنترنت في مساعدة التحولات السياسية المثيرة. فقد استخدم المحتجون في كافة أنحاء الشرق الأوسط، مواقع الفيسبوك، التويتر، اليوتيوب، الهاتف الخلوي وتقنيات أخرى لتنظيم ونشر الأخبار في الوطن وإلى العالم الخارجي. واستعمال أدوات الاتصالات الجديدة هذه ألهمت الحكومات الغربية، وغيرها، للتصرف.
وعلى سبيل المثال، تخطط وتنفق وزارة الخارجية الأمريكية أكثر من 25 مليون دولار على برمجة حرية الإنترنت هذه السنة، وأعطى الكونغرس مجلس إذاعة حكام الولايات 10 ملايين دولار إضافية لتطوير التقنيات التي تشجع نشطاء الإنترنت في الخارج.
ولكن الحكومات الديمقراطية ليست الوحيدة التي تتفاعل مع "الربيع العربي." فالحكومات الاستبدادية، بما فيها الصين، التي تمارس أعلى مستوى في العالم للسيطرة على الإنترنت، تتعلم دروسها الخاصة، حسب المقالة التي شارك في كتابتها ويل روجرز من مركز الأمن الأمريكي أيضاً . والكاتبان مؤلفا "حرية الإنترنت: أولوية السياسة الخارجية في العصر الرقمي."
وفي الأسبوع الماضي، حثت وزارة الأمن العام في بكين الشرطة لاستعمال الإنترنت (microblogs) "لتوجيه الرأي العام" و"الانتباه إلى المواضيع الساخنة التي يتحدث عنها الناس عبر الإنترنت." وهذا يمثل الخطوة الأخيرة التي اتخذتها الصين في معرض معالجة أصداء "الربيع العربي" على الإنترنت. وفي أعقاب الانتفاضتين التونسية والمصرية، حجبت بكين طلبات البحث على الإنترنت عن الكلمات والعبارات الدليلية بما في ذلك "مصر" و"القاهرة" و"ياسمين" - إشارة إلى ثورة ياسمين تونس.
وبعد الاحتجاجات التي حصلت في مايو الماضي في محافظة "وسط منغوليا" التي ضمتها الصين لأراضيها من جارتها منغوليا في القرن الماضي، قام موقع ويبو Weibo - نسخة صينية عن تويتر- بفلترة نتائج عمليات البحث لاسم هذه المحافظة لرصد من يبحث عن ماذا. وأسست بكين مؤخراً مكتب معلومات إنترنت رسمي لضبط تدفق المعلومات على الإنترنت بشكل أفضل.
ويتابع الكاتب بينما تعزز الصين وأنظمة استبدادية أخرى سيطرتهم على الإنترنت، يبدوا أنهم استقوا على الأقل أربعة دروس معينة من ثورات الشرق الأوسط.
أولاً، هناك كلفة اقتصادية حقيقية لقمع الإنترنت. وطبقا لتقديرات منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، فإن كلفة إغلاق الإنترنت في مصر لمدة خمسة أيام كلفت البلاد 90 مليون دولار على الأقل. وحتى بعد أن أوقف المسؤولون المصريين الإنترنت قرب ميدان التحرير حيث احتشد المحتجون، تركوا سوق القاهرة للأوراق المالية موصولة على الإنترنت. وفي حالة الصين التي تعتمد اقتصادياً وبشكل كبير على أنظمة المعلومات العالمية الكترونياً، فلا يمكن أن تتحمل مثل هذه الخسائر ولهذا فإن خيار توقيف الإنترنيت بشكل واسع الإنتشار غير مرغوب به.
ثانياً، طريقة بكين الأكثر دقة في المراقبة والرقابة تعمل أفضل بكثير من التكتيك الصريح - بما في ذلك الإغلاق الكامل والقيود المتطرفة على موجات الاتصال - التي استخدمتها حكومات شرق أوسطية. فهذه الحركات الصريحة، مثل قطع الإنترنيت تماماً، يمكن أن تؤثر عكسياً، فبعد أن حجبت القاهرة الإنترنت عن سكانها، ارتفع مستوى الاحتجاجات عوضاً عن أن تتوقف. والصين، من ناحية أخرى، تسمح للمواطنين بتنفيس بعض الإحباط عن طريق المدونات وشبكات التواصل الاجتماعي، والعمل في أسلوب التعبير غير السياسي، وتضيق الخناق فقط عندما تخرج الأمور عن السيطرة. وعلى الأقل في المدى القريب، يبدو هذا النموذج في السيطرة على الإنترنت أكثر فعالية بكثير.
ثالثاً، المعارضة على الإنترنت تؤدي إلى تغيير سياسي هام فقط إذا أدت إلى احتجاجات بدون إنترنت. والدليل على ذلك أنه رغم احتجاجات الإنترنت الواسعة الانتشار، فقد بدأ نظام مبارك بالترنح فقط عندما احتل آلاف المواطنين ميدان التحرير بأجسادهم. وقد تلجأ الصين وأنظمة استبدادية أخرى إلى هذه الطريقة بشكل مدروس لمصلحتها. وفي وقت سابق من هذا العام دعا موقع إنترنت باللغة الصينية مقره في الولايات المتحدة ناشطين لتنظيم "ثورة ياسمين" صينية. وبرغم أنه لم يكن هناك إقبال واسع من المتظاهرين، احتشدت عناصر الأمن في المكان بلباس مدني لاعتقال أي محتجين. وأدى ذلك لتأويلات بأن الحكومة الصينية نفسها كانت وراء تلك الدعوة على الإنترنت لكي تكشف أولئك الراغبين في تنظيم تظاهرات والمشاركة فيها، ثم تمرغهم على الأرض.
وأخيرا، والأساسي جداً، هناك دليل صاعد بأن تقنيات الاتصالات جديدة قادرة، في الحقيقة، على تسهيل التغيير السياسي. وعلى سبيل المثال، وجد تقرير أخير في "مراجعة التقنية" أن الإنترنت وفرت ظروفاً مناسبة لأولئك الذين أثاروا التغير الديمقراطي في تونس: السرية، وارتباطات ذات مغزى، وربما الأكثر أهمية, الصوت. وفي ضوء تطورات هذه السنة، تبدو بكين وقد كرست مصادر وطاقات هي الأكبر على الإطلاق لتنظيم الإنترنت بكل جوانبه، من إدارة المحتوى إلى إنتاج الدعاية على الإنترنت.
ولدى الصين الآن مستخدمي إنترنت أكبر من عدد سكان الولايات المتحدة بالكامل. ومن المستحيل القول كيف سيكون تأثير اتصالات الإنترنت على السياسة الصينية على المدى البعيد، ولكن بكين تأخذ مجموعة واسعة من الخطوات لتعزيز دفاعاتها في المدى القريب. والمعارضون الصينيون على الإنترنت متأكدون أنه سيكون لديهم أوقات صعبة في استخدام الإنترنت لإحداث تغير سياسي أكثر بكثير مما عانى نظرائهم العرب. وهذه لوحده يشير إلى أهمية جهود الولايات المتحدة في ضمان حرية الإنترنت. وبينما لديهم مجموعة من العلاقات المعقدة مع بعض الدول لكنها علاقات بناءة مع بكين، فيجب على الدول الديمقراطية أن تدافع عن قيمة حرية الإنترنت – خصوصاً بينما يتحول الخريف يتحول إلى شتاء.
بان اورينت نيوز
جميع الحقوق محفوظة