كرة القدم .. قواعد اللعبة وهندسة الملعب
دبلن- الأربعاء 25 يونيو 2014
بقلم د.معن عبد الباسط الأزهري
خاص لوكالة بان اورينت نيوز
قال أحدُهم:
هل تَحتَجِبُ كرةُ العقلِ بكرةِ القدمِ عندما يبدأ الرّكل ...؟!
فردّ آخر:
والخوفُ أنْ يَحتجبَ واقعُ الكرة الأرضية عند أولِ ضربةِ جزاء ...!
فاعترضَ ثالث:
لماذا ينْتقدُ البعضُ هذه الكرةَ المُرَقّطة....؟!
أليستْ تلكَ الكرةُ الصغيرةُ جَمعتْ مالمْ تجمعُه العقولُ الكبيرة .. ولمْلمت الشّظايا التي خلَّفتْها الكراتُ السوداء الملتهبة...؟!
ألم تُجَمِّعُ هذه الكرةُ الناعمةُ الملساءُ مافرَّقتهُ الكراتُ الطائفيةُ المرقطةُ بالأفكارِ السوداء والكراهية العمياء...
أليسَ اللاعبون بالكرة الصغيرة خيراً من أولئك اللاعبين بكرتنا الأرضية ...
أليس الرقصُ والمرحُ على تدحْرُجِ كرة القدم خيراً من الهرجِ والمرجِ على تدحْرُجِ جمجمة الرأس...
أليس التّصفيقُ لركلةِ لاعبٍ خيراً من صراخٍ لقذيفةِ هاون...
أليس هذا الملعبُ الصغيرُ أرحمَ وأءمنَ من ذلك الملعب الكبير...!
أليس اللعبُ من أجل كأسٍ أشرفَ من اللعبِ بمصير وطنٍ وشعب...!
أوليس المنتصرُ بهذه اللعبةِ الصغيرةِ أنبلَ من المنتصرِ بتلك اللعبةِ القذرةِ الدّنيئة ...!
أليستْ مباراةٌ نتيجةُ الفوز فيها يُرَبّتُ الفائزُ على كتف الخاسر خيراً من لعبةٍ يُبيدُ فيها المنتصرُ ذلك المهزومَ البائس...!
أوَ مباراةٌ يتصافحُ في نهايتها الفريقان ويتعانقان خيرٌ أم لعبةٌ قذرةٌ يتصارع فيهاالطّرفان حتى يفنيان ...!
أقمصانٌ بيضاءٌ منسوجةٌ من خيوطِ المحبة خيرٌ أمْ نسيجٌ واحدٌ يُمَزَّقُ إلى خُرَقٍ لتُحاكَ منها أكفانٌ بخيوطٍ المؤامرة وتُحْبَكُ بالغدرِ والخيانة لتكفين جسد الإنسانية ...!
أراياتٌ مجتمعةٌ مزخرفةٌ بشعاراتٍ خضراءَ وزرقاءَ، تحملُ أعلامَ وأحلامَ أوطانٍ عِدّة خيرٌ أمْ راياتٌ ممزّقةٌ مُرَقّطةٌ بالحُمْرَةٍ وَالصُفْرَةٍ من دماءِ وخوفِ أبناءِ الوطنِ الواحدِ، باتتْ أحلامُهم كوابيسَ الفُرْقة ...
عجباً لأمركِ أيتُها الكرة الصغيرة أعَدْتِ الفرحةَ في أيامٍ معدودةٍ، فرحةً أطاحتْ بها دولٌ كبيرةٌ لأعوامٍ عديدة...
شكراً لك أيتها الكرة ... زرعتِ البسمةَ محلَّ الدّمعة ...
لكن مهلا...!! هل تعلمون قواعد اللعبة..؟
قواعد اللعبة وهندسة الملعب
ما أشبه مباراة كرة القدم بتلك اللعبة مع بعض الخلاف والاختلاف ...!
هنا من يخالف قواعد اللعبة يُطرد من الملعب، وهناك في مبارة العالم الآخر أيضا يُطرَد ... لكنْ .. الجمهور..!
هنا ضربات الجزاء تكون على هدفٍ مستطيل صغير، لكنْ هناك ... الهدف أكبر... بل يمكن التوسيع قدر ما تشاؤون ... الأفق يتسع قدر ماتتخيلون بل وما لا تتخيلون ... فالحجمُ ليس مهماً ...! المهم أن يتحقق الهدف ....!
قواعد اللعبة هنا منضبطة بغض النظر عن الهدف، وهناك القواعد مفتوحة حتى يتحقق الهدف ...!
هنا الجمهور يفرح بالهدف ... هناك يحترق بالهدف..!
هنا تبدأ ركلة البداية من دائرة الوسط، وهناك تبدأ وتنتهي بدائرة العدم ....
هنا الجمهور يجلس على المدرجات التي تحيط الملعب، يشاهدون دخولَ اللاعبين المستطيلَ الأخضر، وعينُهم على المهاجمين في دائرة الوسط ...
أما هناك الجمهور في القفص المستطيل ضمن مربع الاتهام بانتظار الدخول إلى دائرة النسيان، لينتهي بهم المصير في دائرة الهلاك... وأما اللاعبون فهم على المدرجات ينعمون بالمشاهدة...!
شكراً أيتها الكرة ... زرعتِ الفكرة مكان الغفلة ...وعلمتينا قواعد اللعبة ...
د. معن عبد الباسط الأزهري أستاذ في الرياضيات بجامعة دمشق
والجامعة العربية الدولية. خريج بريطانيا، من مواليد حمص
بان اورينت نيوز