علمتني الرياضيات: المنحنيات والنهايات الحدية
دبلن- السبت 10 مايو 2014
بقلم د.معن عبد الباسط الأزهري
خاص لوكالة بان اورينت نيوز
من تدبّر الرياضيات بعمق وجد أنها حكمة الله في كونه، ذلك الكون المُنَسَّق على أسس رياضية غاية في الروعة والدقة والابداع... خلقه اللهُ وفقا لقوانين لا تعترف بالمصادفة أو العشوائية..
قوانين تَرَى رموزها تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تنبض نبض الحياة ... حكمة اللَّه الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ..
"علمتني الرياضيات " هي إسقاطات فكرية على مفاهيم رياضية جمعتُها ضمن سلسة مقالات، نبحر في كل مقالة على إحدى أمواج هذه القوانين لاستشراف بعض معالمها واستنباط ارتباطها بالحياة، بقيمها وأخلاقها، بحلوها ومرّها، علّها تساعدنا على فهمها ...
نحاول أن ننظر بعمق إلى الطبيعة وبعد ذلك سوف نفهم كل شىء أفضل ... ومن ثَمّ نجتهد أن ننثر حب الرياضيات على السفوح وفوق الهضاب لعل عبير سحرها يعيد ترتيب هندسة الجينات في عقولنا وقلوبنا فتنعكس إشراقا في أعمالنا...
علمتني الرياضيات
أحب أن أقدم بين يديكم ثمرة ماعلمتني الرياضيات......
"الرياضيات هي تلك المتعة التي يبحث عنها الأذكياء ويحاولون استكشاف أسرارها وحل مجهولاتها"
المنحنيات والنهايات الحدية
لكل شيء في الوجود منحني بياني يعبر عن وجوده و تفاعله، يعبر عن كيانه وسلوكه و نشاطه ....وعليه فللإنسان منحني يعبر عن تطوره...
فارسم المنحني البياني لحياتك، وحدد نقاط النهايات العظمى فيه وحافظ عليها ـ مضمنا فيها إنجازاتك وأهدافك... واجعل همتك أعلى من قمتك، فالمجد لا يعلو بغير عزيمة،
ولكن لا ترفع نفسك فوق قدرها لأنك إن فعلت صارت نفسك محجوبة عن نيل كمالها.
ولا تتم الأعمال العظيمة بالقوة ولكن بالصبر. فإذا أردت العيش كالنسور فلا تضيع وقتك في العيش كالضِّباء في الجحور... ولا تَقْنَعُ بِالعَيْـشِ عَيْش الحَجَر.. فلا يدرك المفاخر من رضي بالصف الآخر، ولا تتهيب صعود القمم فَمَنْ تهيب صُعُودَ الجِبَـالِ عاشَ أَبَدَ الدَّهْرِ في النهايات الدُّنى بَيْنَ الحُفَـر ...فالوصول إلى القمة صعب ولكن الأصعب المحافظة عليها.
وكن حريصا على أن لا تنزلق إلى النهايات الصغرى ..... وتذكر أنك إذا كنت في القمة فالانزلاق سهلٌ، لأن الهاوية تحيط بك من كل الجهات، والمتربصون بك كُثُر......ومع ذلك لا تهتم لأن عظَمة عقلك ستخلق لك الحُسّاد، ولكن تذكر أن عظَمة قلبك تخلق لك الأصدقاء، فحافظ عليهم، فَهُمْ سَندك وعضدك لدفعك نحو القمة وتثبيتك عليها....
وركّز في منحني مسيرتك على نقاط الانعطاف في حياتك لأنها تعطيك مؤشرات تقعّر منحني ماضيك ومستقبلك..... وبالرغم أن بعض المنعطفات قاسية...! لكنّها إجبارية لمواصلة الطريق !! فالحجر الذي تلقاه لا يَسُدُّ طريقك فلا تجعله يُحزنك...فتدرب على تفتيته، فإن لم تستطع فتفنّن بالالتفاف عليه...
وعندما تتقدم في سيرك لا تنظر إلى الخلف إلا لأخذ العبرة، فإما أن يكسر الماضي عنقك أو أن تصطدم بحائط المستقبل
لاتيأس إذا رجعت خطوة إلى الوراء، فلا تنس أنّ السهم يحتاج أنْ تُرجعه للوراء لينطلق بقوة إلى الأمام ..
ولا يحزنك إذا فشلت مادمت تحاول الوقوف من جديد على قدميك ، فالضربه التي لا تميت تقوي... ولاتخشى من الخطأ فلولا ظلمة الخطأ ما أشرق نور الصواب... والإنسان الذي لم يخطئ لم يجرب شيئا جديداً.
وتذكر أن المشتقَ مؤشّرٌ على تَغَيُّرِ منحى حياتك .. فإن كان موجبا فكن متفائلا مرفوع الرأس لأنك في حالة صعود ... وأنت تتطور ..... ولكن إن كان سالبا، فاعلم عندها أنك تهوي....!
ولكن بعض العثرات قد تدفعنا للتنازل .. لا للتزلّل ، أو الانخفاض قليلا.. لا الانكسار... لكن لنعاود الصعود بإصرار أكبر ... فليس كلُّ تنازلٍ هو ذلّ وضعف، فقد نحتاج لقوة مصحوبة بحكمة لاتخاذ هذا القرار الصعب... وليكنْ ميلُكَ كميل سنابل القمح إذا واجهت الريح ...فلا تكن صلبا فتُكْسَر ولا ليّناً فتُعْصَر، وكن بين ذلك قواما...
واحذر أن يكون مشتق منحني تطورك العلمي بالنسبة لحياتك صفرا أو قريبا منه... فهذا يعني أن منحي حياتك العلمية كاستقامة منحني دقات قلب الميت لا نبض فيه .. عندها ارثي حالك فأنت ميتٌ بجسد حيّ ...!!
وأخيراً................ تذكر أنّ منحي حياتك سيتخامد يوماً ليصبح مستقيماً ............. عندها ....!!
"كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ" .
د. معن عبد الباسط الأزهري أستاذ في الرياضيات بجامعة دمشق
والجامعة العربية الدولية. خريج بريطانيا، من مواليد حمص
بان اورينت نيوز