أغنياء المشرق العرب والطبقات الوسطى
مدريد- السبت 21 سبتمبر 2013
بقلم محمَّد بشير علي كردي
وفقًا لما ورد في النسخة الخامسة من تقرير الثروة العالمي لعام 2013 الذي يصدر عن مصرف "يو بي إس"، لدى أغنياء المشرق العربي ما مقداره 880 مليار دولار أمريكي. حلَّ أثرياء المملكة العربيَّة السعوديَّة بالمركز الأوَّل حيث يملك 3500 فردًا ثروة قدرها 285 مليار دولار. وحلَّت دولة الإمارات العربيَّة المتَّحدة في المركز الثاني حيث بلغت ثروة 1050 فردًا ما مقداره 190 مليار دولار. وجاءت الكويت في المركز الثالث، وقطر في المركز الخامس، وسورية في المركز السادس بعدد 205 فردًا وإجمالي ثروة 22 مليار دولار في 2013. وحلَّت عُمان في المركز التاسع، والبحرين في المركز العاشر.
ويردُّ الباحث الاقتصادي الدكتور نجيب الزامل في مقاله على سؤال يتكرَّر دائمًا في المجالس والفضائيَّات ووسائل التواصل الاجتماعيَّة عبر الإنترنت، هل ازداد السعوديُّون فقرًا؟ فيجيب بسؤالٍ استنكاريٍّ، هل أصبحت تكاليف المعيشة أعلى على ربِّ الأسرة؟ أم هل تضاءلت القوَّة الشرائيَّة للطبقة المتوسِّطة؟ أم أنَّ هذه الطبقة قد اضمحلَّت؟
الحقيقة التي لا جدال فيها أنَّ تكاليف الحياة ارتفعت بشكل ملحوظ خلال العقود الماضية. والحقيقة الأخرى أنَّ مستويات الرواتب والدخول لم ترتفع بشكل ملحوظ يوازي الارتفاع الذي شهدته أسعار السلع والخدمات والعقار خلال العقود الثلاثة الماضية. ولا يختلف اثنان في أنَّ الموظِّف الحكومي المواطن في بداية الثمانينيَّات، ما وجد صعوبة في توفير تكاليف الزواج وامتلاك منزل وسيَّارة، بل قد تمكَّن من ادِّخار جزء من دخله للاستثمار في سوق الأسهم أو العقار.
ويستشهد الدكتور الزامل بما ينشره البنك الدولي سنويًا من أرقام الناتج المحلِّي الحقيقي للفرد في كلِّ دول العالم. ويوفِّر البنك أيضًا البيانات التاريخيَّة لكلِّ دولة لعشرات السنوات. وهذه الأرقام، تشير إلى أنَّ الناتج المحلِّي الحقيقي للفرد في السعوديَّة عام 1980، تجاوز 126 ألف ريال، بينما عام 2011 – وهي آخر سنة نشرت فيها الأرقام – لم يتجاوز الناتج المحلِّي الحقيقي للفرد في السعوديَّة 82 ألف ريال. أي أنَّ الناتج المحلِّي الحقيقي للفرد في المملكة انخفض بنسبة تصل لنحو 35%. أمَّا في السنوات العشرين الماضية، فلا يكاد يكون هناك أيُّ نموٍّ يُذكر في الناتج المحلِّي الحقيقي للفرد.
وبمماثلة هذه الأرقام بأرقام كوريا الجنوبيَّة، نرى أنَّه في عام 1980، كان الناتج المحلِّي الحقيقي للفرد فيها أقلَّ من 21 ألف ريال سعودي عن نظيره في المملكة. (أي أقلُّ من خُمس الناتج المحلِّي الحقيقي للفرد في السعوديَّة في العام نفسه.) وهذا يفسِّر وجود عمالة كوريَّة في السعوديَّة في تلك الفترة. في عام 2011، تجاوز الناتج المحلِّي للفرد في كوريا 100 ألف ريال سعودي. (أي أكثر من الناتج المحلِّي الحقيقي للفرد في السعودية بنسبة 20% تقريبًا.) وعليه، ترى أنَّ الناتج المحلِّي للفرد في كوريا، ارتفع بنسبة 400% خلال الثلاثين سنة الماضية. في المقابل، انخفض الناتج المحلِّي للفرد في السعوديَّة بنسبة 35%. وللتذكير فقط، ارتفع الناتج المحلِّي الحقيقي للفرد في أمريكا وألمانيا بنحو 66% خلال الثلاثين سنة الماضية، وارتفع في تركيا ارتفع إلى 125%. وارتفع الناتج الحقيقي للفرد في العالم كلِّه، بدوله الفقيرة والغنيَّة بمعدَّل 70% خلال المدَّة نفسها.
وحتَّى تكون الصورة أكثر جلاءً، فقد احتلَّت السعوديَّة عام 1980 المرتبة الرابعة في الناتج المحلِّي الحقيقي للفرد في العالم. وفي عام 1990، انخفض ترتيبنا للمرتبة الثامنة والعشرين، ثمَّ شهد ترتيبنا مزيدًا من الانخفاض في عام 2000 ليصل للمرتبة الثالثة والخمسين، وأخيرًا وصل الترتيب في عام 2010 إلى ثلاثة وأربعين. خلال ثلاثين سنة، أكثر من 39 دولة تجاوزتنا في سباق التنمية الاقتصاديَّة. غالبيَّة هذه الدول ليس لديها دخل نفطي أو مورد طبيعي يضمن لها رؤوس الأموال تطوِّرًا في بنيتها التحتيَّة، وتحسين التعليم، ودعم الإنتاج والتصنيع، ومع هذا، استطاعت تلك الدول أن ترفع من دخلها سنة بعد سنة.
هل ازداد السعوديُّون فقرًا؟
قتامة الصورة لا تقتصر على الانخفاض الكبير للناتج المحلِّي الحقيقي للفرد، وأنَّ كثيرًا من الدول تجاوزتنا! لكن المؤلم أنَّ انخفاض الناتج المحلَّي الحالي لا يعكس إنتاجيَّة حقيقيَّة، وإنما هو انعكاس لما تصدِّره الدولة من نفط وما تستهلكه داخليًا. اقتصادنا ما يزال يعتمد بشكل شبه كامل على مداخيل النفط. لقد فشلنا في أن ننوِّع اقتصادنا، ونتحرَّر من اعتمادنا على النفط مصدرًا وحيدًا للدخل. إذا كان ناتج الفرد قد انخفض 35% خلال ثلاثين سنة وترتيبنا في العالم تراجع 39 مرتبة مع أنَّ أسعار النفط وصلت ذروتها في السنوات الأخيرة، وانتاجنا للنفط بلغ مستويات تاريخيَّة، واستهلاكنا الداخلي وصل أرقامًا غير مسبوقة، فإنَّ الناتج سيشهد مزيدًا من الانخفاض لو تعرَّضت أسعار النفط لأيِّ انخفاض، أو لو ازداد استهلاكنا الداخلي لمستويات أكبر تمنعنا من تصدير كميَّة كافية من النفط، مصدر دخلنا الرئيسي! وفوق كلِّ ذلك، ازدياد التفاوت في توزيع الثروة ومستويات الدخل. فبينما كانت غالبيَّة المواطنين يعملون في القطاع الحكومي، ويستلمون مرتَّبات متقاربة، تضاءلت فرص العمل في القطاع الحكومي وبدأ التركيز على استقطاب العمالة الوطنيَّة في القطاع الخاص، حيث يحصل موظف القطاع الخاص على مرتبات أقل بكثير (قد تصل لنصف معدَّل ما يحصل عليه موظَّف الحكومة)، وهذا يعني نشوء شريحة جديدة من المجتمع تعيش بمستوى دخل أقل من المستوى السائد. الأمر الآخر، أنَّ النموَّ العالمي المستمر – حتَّى في الدول الفقيرة – يعني حتميَّة ارتفاع أسعار السلع والخدمات في العالم. وبما أنَّنا نعتمد بشكل شبه كامل على استيراد كلِّ ما نستهلك، فلسوف يزيد ذلك الضغوط التضخميَّة، وتتآكل معه القوَّة الشرائيَّة للمواطن.
وينهي الدكتور الزامل القول بأن لا خيار لنا، إن أردنا الخروج من تلك الدوَّامة، إلاَّ بتسريع عجلة النموِّ الاقتصادي الحقيقي، وليس النموِّ الاقتصادي القائم على زيادة الدعم الحكومي غير المُستدام أو الإنفاق الحكومي المرتبط بزيادة عوائد النفط. عندما يشتكي الناس عبر تويتر ووسائل الإعلام من انخفاض الرواتب، وأنَّها لا تكفي الحاجة، فشكواهم حقيقيَّة ومبرَّرة. لكن ما يعانون منه هو عرض من أعراض المرض الاقتصادي الذي نعانيه، والشكوى التي يجب أن تتَّجه لها البوصلة هي أنَّ (النمو الاقتصادي لا يكفي الحاجة)، النمو الاقتصادي الحقيقي هو الذي سيرفع مستوى الدخل ويحسِّن المستوى المعيشي للمواطنين، وهو الذي سيضمن لنا وللأجيال القادمة – بإذن الله – حياةً كريمة ورفاهيةً غيرَ مرهونة بمؤشَّر أسعار النفط أو انخفاضه بسبب الاستهلاك المحلِّي.
وما يلفت النظر في تقرير مصرف "يو بي إس" أنَّ لسورية عدد من الأثرياء يملكون البلايين من الدولارات الأمريكيَّة، وشعبها يعمل على الخلاص من النظام الذي استأثر أفراد وأقرباء الحاكم بثروة البلاد طوال ستة عقود من الزمن.
محمَّد بشير علي كردي سفير المملكة العربية السعودية سابقاً في اليابان
بان اورينت نيوز