بين الملك والإمبراطور

مدريد – الجمعة 21 اكتوبر 2011
بقلم الأديب محمد بشير علي كردي
خاص لوكالة بان اورينت نيوز

صديقي الياباني المحافظ على الود والمتابع أخبار المملكة بانتظام، اتَّصل يوم أمس الأوَّل من طوكيو ليقدِّم التهاني بنجاح العمليَّة الجراحيَّة التي أجريت لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز. وقال بأنَّه في طريقه إلى مقرِّ عمله، توقَّف في المعبد وأدَّى صلاة الشكر داعيًا ألاَّ تطول فترة النقاهة، فشاطرته الدعاء لله تعالى أن يشمله بلطفه وعنايته.

وتساءل عن القرارات الإصلاحيَّة التي أمر بها جلالته ولا تحتمل التأجيل. وقد ركَّز على تلك التي توفِّر للمواطنين وضعًا أفضل ممَّا هم فيه الآن. ولكي يتمَّ لجلالته ما أراد، بعد شفائه التام بإذن الله، أن ينشِّط جهود الجهة التي كلِّفت بمكافحة الفساد ومعاقبة المفسدين والمرتشين مهما علا شأنهم وانتماءاتهم، فلا أحد فوق القانون. وما لم يُقطع دابر هؤلاء، ويكونوا عبرة لسواهم، فلن يجد الشباب من الجنسين، وغالبيَّتهم من ذوي المؤهِّلات الجامعيَّة والتخصُّصات العليا، فرص عمل تُسهم في إتمام المشاريع التي اعتُمدت ميزانيَّاتها، وانتهت الجهات المختصَّة من دراسة مراحل التنفيذ.

وتساءل الصديق الياباني عن القرارات رهن التنفيذ التي أصدرها جلالته كمشاركة المرأة السعوديَّة في الانتخابات البلديَّة وتعيينها في مجلس الشورى! وأبدى تخوُّفًا من انتقادات الفئة المتطرِّفة التي تتذرَّع بأوهى أسباب تعتمد النقل عن السلف قبل عشرات القرون، وليس العقل والمنطق والدين، وتحصر واجب المرأة وعملها سواء أكانت أُمًّا أم زوجة داخل بيتها ولا شيء سواه!

ومع تخوُّفه كان صديقي متفائلاً بأنَّ خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله، الزوج الودود والأب الرحيم لبنيه وبناته، كان من أوائل مَن أوفدوا أولادهم وبناتهم للدراسة خارج المملكة. وبعد أن خبر قدرة ابنته السعوديَّة على التوفيق بين الدراسة والمحافظة على القيم التي تربَّت عليها، فتح باب الابتعاث لكلِّ مؤهَّل ومؤهَّلة من أبنائه شباب المملكة وشابَّاتها لمواصلة الدراسة لأعلى مراحلها في أكبر الجامعات في البلدان المتقدِّمة.

وقال بأنَّ لليابان نصيبًا ولو إنَّه متواضع قياسًا على أعداد المُبتعثين في الولايات المتَّحدة وكندا وأستراليا ودول الاتِّحاد الأوربي. ويأمل أن ترجح الكفَّة لصالح اليابان مستقبلاً.

وإزاء مُستجدَّات القضيَّة الفلسطينيَّة، قال الصديق بأنَّ على جلالته متابعة دور المملكة تجاه هذه القضيَّة الإنسانيَّة التي دأبت منذ عهد باني وحدتها المغفور له بإذنه تعالى الملك عبد العزيز آل سعود على تبنِّيِها والحرص على وحدة الصف العربي من الخليج إلى المحيط للدفاع عنها وإبقائها قضيَّة العرب أجمعين.

ونظرًا إلى خصوصيَّة القضيَّة الفلسطينيَّة الآن، أشاد بدور المملكة التي تعمل جاهدة على وحدة الصف الفلسطيني مقدِّمة لفكِّ أسر بيت المقدس. وأشار إلى أمرٍ قلَّما يعرفه كثيرون، ألا وهو اختيار المملكة دبلوماسيِّين مؤهَّلين من أصول فلسطينيَّة لتمثيلها في الأمم المتَّحدة منذ قيام دولة الصهاينة. ومن أشهر هؤلاء الدكتور جميل بارودي والأستاذ أحمد الشقيري والأستاذ سمير الشهابي ليدافعوا عن قضيَّتهم. ولمَّا حصلت منظَّمة التحرير الفلسطينيَّة على اعتراف بأنَّها الممثِّل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، اعتمدت المملكة أحد دبلوماسيِّها ليجلس على مقعدها في المحفل الأممي.

في ختام المحادثة، ذكر صديقي الياباني بأنَّ خطوات الإصلاح التي تبنَّاها خادم الحرمين الشريفين ويعمل على إنجازها، تذكِّره كثيرًا بإمبراطور اليابان العظيم ميجي (1868-1912م) الذي فتح بوَّابات جزر اليابان المحصَّنة للتجارة العالميَّة وفي الوقت ذاته، دفع عشرات الألوف من الطلبة لخارج الجزر، وبالتحديد للبلدان المتقدِّمة صناعيًّا لطلب العلم والخبرة وفق برنامج متطوِّر أُعدَّ لهم ليتَّفق مع فلسفة اليابانيِّين في علاقاتهم من أجل التقدُّم وتحقيق الأهداف.

لم يفت الصديق التعليق على تداعيات تسونانومي الحرِّيَّة الذي يصول ويجول حول الحدود المترامية للمملكة، فاستشهد بما صدر عن سموِّ الأمير سعود الفيصل:
"آن الأوان لأن نمتلك الشجاعة الكافية لنقرِّر أنَّ الإصلاح الذاتي وتطوير المشاركة السياسيَّة هما المنطلقان الأساسيَّان لتجاوز الأزمة الهيكليَّة التي تتعرِّض لها دولنا العربيَّة. فغياب المشاركة السياسيَّة الفاعلة هو المفضي إلى توالي الأزمات، وهو المؤدِّي إلى تعميق التشوُّهات. وهو المتسبِّب في فقدان القدرة على مواجهة التحدِّيات. وبدون تطوير فعلي للمشاركة، سيبقى العالم العربي يعيش في الماضي والتاريخ، وستخسر الأجيال القادمة رهان المشاركة في صنع المستقبل. لذا فإنَّ تطوير المشاركة السياسيَّة لا بدَّ من أن يندرج في إطار إصلاحي شامل وحقيقي، وإلاَّ لفَقَد معناه وأفضى إلى تغيير شكلي لا يُعتدُّ به."

ويرى الصديق الياباني أنَّ تصريحًا من سموِّ الأمير بهذا الوضوح، لا شكَّ مقدِّمة لخطوات إصلاحيَّة هامَّة ينوي خادم الحرمين الشريفين إنجازها تمشِّيًا مع سياسة المشاركة التي سنَّها والده العظيم الملك المصلح عبد العزيز بن سعود طيِّب الله ثراه.
اعتذر الصديق عن طول المكالمة، وودَّعني راجيًا ألاَّ نفقد الأمل. شكرته، مردِّدًا في سرِّي قول الشاعر:
وَمَـنْ جَهِلَتْ نَفْسُـهُ قَدْرَهُ رَأَى النَّاسُ فِيْهِ مَا لا يَر

محمَّد بشير بن علي كردي/ أديب وسفير سابق للمملكة العربية السعودية في اليابان

بان اورينت نيوز



اليابان والدول العربية