العمارة الفاضلة تهتز في زمن الحروب والزلازل

الكاتب زياد ساطع

دمشق - السبت 11 مارس 2023 / بان اورينت نيوز /
“الجار قبل الدار”, مقولة شعبية لطالما رددها الاباء والاجداد تحمل في طياتها ملامح ثقافة وتعاطي المجتمع العربي والاسلامي مع مسألة الجيرة وأهمية الجيران. وهذا المورث الشعبي المتأصل الى يومنا هذا بقي أساسياً لم يتجاوزه أفراد المجتمع رغم كل الظروف في العالم العربي حيث المنزل والشارع والحي يحملون هوية السكان. وفي حالات معينة عندما تورط بعض السكان بحالات فردية من سلوك لا أخلاقي أو جنائي، كان الجيران أول من يعانون تداعيات ذلك وبحيث تصبح المشكلة الخاصة عامة تهم الجميع. وبنفس الوقت كان سكان الحي أو الحارة الشعبية يتصدون للغريب الذي يحاول التحرش مستهدفاً "بنت الحارة" ويدافعون عن شرفها باعتباره شرف الحارة.
ولكن يبدو ان مثل هذه الأنماط السلوكية موجودة أيضاً خارج الثقافة العربية والإسلامية. واذا ذهبنا الى الشرق الأقصى، وتحديداً الى اليابان، سوف نجد ان الشركات والمكاتب العقارية تذكر في نشرة من صفحة واحدة كافة المواصفات الفنية للشقة او المكتب او البناية بمايكاد يكون "سيرة ذاتية" عنها. ولكن اللافت في الأمر ان التفاصيل لا تقتصر على المساحة وعدد الغرف وتاريخ البناء وفيما اذا يسمحون بوجود حيوانات اليفة تعيش مع السكان وغير ذلك من الاساسيات، بل يذكرون، وهذا في غاية الاهمية، أي معلومات عن حوادث قتل أو انتحار حصلت في المكان. ويفرض القانون على اصحاب العقارات ذكر هذه المعلومات تحت طائلة المقاضاة إذا أخفوها. وبالطبع فإن معظم اليابانيين يتفادون السكن في مثل هذا الأماكن. ولهذا تحاول المكاتب العقارية جذب المستأجرين أو المشترين بتقديم حسومات كبيرة عليها.

وفي بعض المجتمعات العربية والاسلامية المحافظة فإن قدوم أي دخيل الى الحارة يتميز بسلوك وعادات يراها السكان "غير لائقة" يؤثر على الانسجام السكاني فيها وقد يؤدي الى منازعات. وهذا تجلى في مشهد كوميدي في مسرحية الممثل المصري عادل امام "شاهد ما شافش حاجة" عندما اغلظ عليه النائب العام وزجره لانه يقطن بعمارة تسكن فيها راقصة . ورد عليه عادل امام "لو كل واحد بمصر حيترك شقته عشان راقصة، البلد كلها راح تنزل للشارع."
والمشهد الاجتماعي السكاني في سورية والدول التي تعاني من حروب ونزاعات أصبح مختلفاً حيث خلقت الاوضاع المأساوية سلوكاً اجتماعياً لم يعد يبالي كثيرا بالمحظورات والانسجامات السابقة في وقت السلم. وهكذا بعد الدمار الذي خلفته الحروب لم تعد هناك خيارات أمام السكان للاهتمام بالتقاليد واخلاقيات الحارة بموجب المثل القائل "الجار قبل الدار"، أي قبل اختبار البيت او الشقة، يجب اختيار السكان والجيران. وحاليا يبحث الساكن وخاصة النازح أو اللاجئ عن مأوى بغض النظر عن سلوك الجيران بعد انهيار البيوت سواء في الحروب أو بسبب الزلازل.
وهنا نرى في هذا التوقيت انهيار تدريجي للخطوط الاجتماعية والاخلاقية الحمراء حول مفهوم الجيرة واهميته. ولم يعد مهماً للعديد من الاسر السورية المهجرة والمنكوبة مسألة الجيران والمستوى الاخلاقي. صار الهم اكبر وألزم هو تأمين المسكن والمأكل وليس داخل البلد فحسب.فالسوري اصبح اليوم كالطيور المهاجرة يمتطي عباب البحر في السفن التائهة متجهاً الى بيئة غريبة بعيدة كل البعد عنه وعن عاداته واخلاقه من أجل حياة جديدة لا علاقة لها بأي أثر من بيئته المهجورة.



البيئة والمجتمع