``بطاقات الترشيد لسلوك حميد``

مدريد – الأحد 10 مارس 2019 / خاص إلى بان اورينت نيوز/

الكاتب/ محمّد بشير علي كردي

"إتكيت" كلمة فرنسيَّة تعني التقيُّد بالسلوك الحميد والمحافظة على الذوق واللياقة وحسن التعاون في كلِّ الأمور الحياتيَّة مع الذات والآخرين، وعلى ما في الطبيعة من حياة نباتيَّة ومياه جارية.

يرجع مسمَّى هذه الكلمة إلى لويس الرابع عشر(1638-1715م) حينما لاحظ بعض زوار في قصره يدوسون بأحذيتهم على الأعشاب والزهور، ولا يلتزمون السير على الممرَّات المخصَّصة للمشاة. فكان أن أمر بوضع "إتكيت" (لافتات) في الحديقة ترشد الزوَّار إلى طريق سيرهم.

منذ ذلك التاريخ، دخلت كلمة "إتكيت" قاموس معظم لغات العالم، لترشد الأشخاص إلى حسن التصرُّف في أمور حياتهم. وهكذا تنوّعت أصناف "الإتكيت" وراحت المطابع تتفنَّن في طباعة أنواع البطاقات، كالدعوة للحفلات، وتحديد موعدها ومكان إقامتها. وبطاقات عليها بيان طريق الوصول إلى مكان الحفل، وبطاقات تهنئة بالمناسبات الدينيَّة والاجتماعيَّة، وبطاقات أخرى سواها متنوِّعة حتَّى بطاقات التعريف الشخصي.

قد يكون اليابانيُّون من أكثر الأمم شغفًا بالبطاقات الشخصيَّة َوعناية بها كاختيار الورق والتصميم والزخرفة ورسوم للمناسبات، وبطاقات تعريف الشخصيَّة التي يستهلك منها المقيم في اليابان الكثير، وتحظى بعناية خاصَّة وبنظام دقيق متشابه. فكلُّ بطاقة تعريف عليها بحروف كبيرة اسم الجهة التي يعمل لديها حاملها، يليها بحروف أصغر مركزه في الشركة، ثمَّ بحروف أقلَّ اسم حاملها، فعنوانه وأرقام هواتفه... وعندما يتقابل شخصان، يقدِّم كلٌّ منهما للآخر بطاقته الشخصيَّة ليعرف الواحد مقام الآخر الذي يقابله. تلي ذلك مباشرة تحيَّة الانحناءِ التي تعتبر .في غاية الأهميَّة

يدرب اليابانيون أطفالهم على تحيَّة الانحناء من سنٍّ مبكِّرة جدًّا. وكثير من الشركات تدرِّب موظَّفيها على كيفيَّة تنفيذها بشكل لائق... كالانحناء والظهر مستقيم والأيدي على الجانبين، ومشبوكة عند الحضن للفتيات والنساء مع النظر للأسفل. ويكون انحناء الجسم عند الخاصرتين. والمبالغة في الانحناء تعبِّر عن شدَّة الاحترام.

أمَّا إذا التقى شخصان متعارفان بعد غياب أشهر، فيتبادلان البطاقات مجدَّدًا، فربَّما يكون أحدهما أو كلاهما قد حصل على ترقية أو درجة علميَّة توجب زيادة درجة الانحياء.

في اجتماعات العمل، يضع كلٌّ من المجتمعين بطاقته الشخصيَّة أمامه، فينظر من يقابله إلى البطاقة، فوجه مقابله من وقت لآخر. بعد الاجتماع يتمُّ تدوين أهم نقاط الحديث الشخصيَّة خاصَّة، على ظهر البطاقة وتحفظ في ملَّفه مع خلاصة ما دار من حديث.

وفي حال لقاء ثانٍ، يُرَجع إلى البطاقة الشخصيَّة والتقرير لمعرفة النقاط كما دوَّنت على البطاقة لتكون فاتحة الحديث عند اللقاء بما يترك انطباعًا عن الاهتمام بالمقابلة. وفي السنوات الأخيرة انتشرت بطاقات اسمية عليها صور أصحابها بمايساعد على تذكر الشخص.

لا ينحصر "إتيكيت" اليابانيِّين بالبطاقات فقط، يماثله "إتيكيت" أصبح عرفًا، ألا وهو غضُّ النظر في وجوه من حولك، وفي الذين يشاركونك في استعمال المصعد الكهربائي خاصَّة. ويتوجَّب على الداخل إلى المصعد وقوفه باتِّجاه الباب، وعدم النظر إلى الوجوه أو اللباس. أمَّا في القطارات وعربات المترو فيكون ذلك بقراءة كتاب أو جريدة أو إغماض العينين للاستراحة. وفي المحاضرات، ولغرض التركيز على الموضوع، دون الانشغال بحركات المحاضر، يستحسن إغماض العينيين وفتح الأذنين للإستماع.

هذا غيض من فيض على رقيِّ اليابانيِّين اجتماعيًّا يستحقُّ التقدير والتقليد.

محمّد بشير علي كردي سفير المملكة العربية السعودية سابقاً في اليابان



فنون وثقافة