ماهو عدد الضحايا المقبول أخلاقياً في الربيع العربي؟
مخاوف اندلاع حرب دينية وتدخل أجنبي تزداد في الدول العربية
طوكيو- الثلاثاء 22 مايو 2012 / بان أورينت نيوز/
قال مفكر ياباني بأن الثمن الذي يدفعه الشعب العربي لتحقيق الديمقراطية والحرية ولاسيما في سوريا حيث وقع عدد كبير من الضحايا نتيجة العنف الذي قد يتطور إلى حرب طائفية دينية، هو ثمن باهظ، وبأنه قد يكون من الأفضل إنتظار الظروف كي تختمر لتحقيق أهداف الشعوب هناك عوضاً عن التورط بمغامرات الربيع العربي.
وتحت عنوان "معضلة تحول الربيع العربي إلى حرب دينية وأخطار التدخل الخارجي" قال البروفسور كاغيهومي أونو في جامعة أنكايو اليابانية أن "الجانب السلبي المرعب" للربيع العربي هو إيقاظ الصراع الطائفي في بعض الدول العربية رغم أن الهدف هو نشر الديمقراطية.
وفي مقالة نشرتها صحيفة الماينيتشي باللغة اليابانية يطرح البروفسور سؤالاً مهماً: "كم عدد الضحايا المقبول أخلاقياً بهدف تحقيق الديمقراطية؟ وهل أن الإطاحة بالأنظمة المستبدة مبرر أخلاقياً، حتى بالتدخل الخارجي، إذا نظرناً إلى عدد الضحايا الذي وقع في العراق، بعد التدخل الأمريكي، والعنف الدائر في بعض دول الربيع العربي وما يخلفه من عدد هائل من الضحايا على مذبح عملية التحول الديمقراطي".
ويتابع البروفسور بأن الأنباء عن العنف من سوريا توحي بوجود حرب أهليه هناك حيث يوجد "ثمة نزاع بين العلويين، وهم من الطوائف الشيعية ويدعمون إدارة الأسد، وبين المسلمين السنة".
ويرى أونو أن الوضع في سوريا ومصر التي هي مركز الربيع العربي يدخل في حالة من الفوضى أكثر فأكثر مع "تعرض المسيحيين للاضطهاد على أيدي المتشددين الإسلاميين، وفرارهم إلى الخارج...وهذا مايثير القلق أنه بينما يتم التخلص من الطغيان في البلاد العربية فإن النزاع الديني يتجسد على الأرض هناك".
وأضاف بأنه "يتم الإفراط في التركيز على الجانب الإيجابي للثورة لدرجة غياب التفكير في الجانب السلبي لها، وفي مرحلة ما بعد الاستبداد".
ويُشَبْه أونو الوضع الفعلي في الدول العربية بالوضع في شبه جزيرة البلقان بعد انهيار يوغوسلافيا السابقة. ويقول "يجب أن نتذكر أنه أثناء حدوث فراغ في السلطة بعد إدارة تيتو، أصبح صراع الأديان الذي كان مكبوتاً حتى ذلك الحين حقيقة وأدى إلى صراع مروع".
وينتقل المفكر الياباني أونو إلى حالة سوريا قائلاً "ينبغي شجب القمع الذي قامت به حكومة الأسد. وبنفس الوقت نحن بحاجة إلى مزيد من الانتباه إلى أن الصراع الديني يشتد، ومن ثم يسفر عن المزيد والمزيد من الضحايا إذا انهار النظام هناك وحصل فراغ في السلطة".
ويقول أونو "عموماً، في حقبة ما بعد الاستبداد، يكون لدى الدول التي تعاني من صراع ديني معضلة ومفارقة يتضرر منهما الكثير جداً من الناس في المرحلة الأولى لتحقيق الديمقراطية بسبب ذلك الصراع. ولكن فكرة هذه المعضلة ليست شائعة في المجتمع الدولي، لاسيما في أوروبا."
وذكر أن الأوروبيين يفتقرون إلى الإهتمام بأفكار مثل أن "الجانب السلبي يغلب على الجانب الإيجابي.. في حال إصابة العديد من الناس" وبأنهم ينغمسون في الثورة المدنية تماماً حيث لاأحد يجادل هناك قائلاً "يجب علينا أن تأجيل الإطاحة بالطغيان لأن ذلك سيؤدي إلى وقوع عدد هائل من الضحايا".
وأضاف بأن المجتمع الأوروبي ينظر إلى "الديمقراطية" ليس فقط باعتبارها مبدأًً عظيماً بل قد تصل إلى مستوى القداسة الدينية "ولهذا السبب هناك نداءات بأنه ينبغي مواصلة الدمقرطة بغض النظر عن عدد الضحايا الذي يسقط نتيجة ذلك". ولكن، مع ذلك، ينبغي التساؤل كم عدد الضحايا المقبول أخلاقيا بهدف تحقيق الديمقراطية؟. وعلى سبيل المثال فإن "تحقيق الديمقراطية" في العراق قد أسفر عن مقتل 200 ألف ضحية وتشريد مليون ونصف مليون لاجئ، ومع ذلك لا يزال الإرهاب بين الأديان مستمراً. فهل الإطاحة الفورية بالطغيان مبررٌ أخلاقيا حتى عن طريق التدخل الخارجي؟".
ويُعرج البروفسور أونو على اليابان قائلاً "الشعب الياباني يتفهم هذه المشكلة ولايعتبر الديمقراطية بمثابة ديانة مقدسة، بل ينظر إلى الوضع بهدوء مفضلاً الإنتظار كي تنضج الفرصة لتحقيق الديمقراطية وعدم الإندفاع إليها إذا كان هذا سيكلف عدداً كبيراً من الضحايا".
ويدعو البروفسور أونو المجتمع الدولي إلى لعب دور في مواجهة مرحلة ما بعد الاستبداد التي تعمق الفوضى بعد الربيع العربي.
وإلى ذلك يقترح نقطتين: "أولاً، التفكير في المعضلة والمفارقة التي تنطوي عليها وهي أن عملية إرساء الديمقراطية تنطوي على إمكانية جلب العنف إلى المجتمع وتقسيمه. وثانياً، توخي الهدوء بما فيه الكفاية والإهتمام بالتحذيرات من (أخطار) الإندفاع غير المدروس نحو الديمقراطية والثورة المدنية. وتحديداً يدعو الكاتب إلى انتظار الفرصة والظروف المناسبة إذا كانت تكلفة التحول إلى الديمقراطية تعني انتهاك القانون".
وفيما يعتبر نظرية يابانية هامة تلقي الضوء على أهمية التجربة اليابانية في تحقيق الديمقراطية تحت الإحتلال الأمريكي وبعد استقلال اليابان وبمايتوافق مع طبيعة المجتمع الياباني ومصالحه، وبمايتناقض مع قول الشاعر العربي "وللحرية الحمراء باب.." يختم أونو مقالته بالقول "يتعين علينا أن نفكر بهدوء و بدون أيديولوجية وبمايمكن لليابان أن تقدمه".
الصورة: جانب من الدمار الذي أصاب الأحياء الأثرية القديمة في مدينة حمص السورية نتيجة القصف الذي تعرضت له
إعداد بان أورينت نيوز