أكاليل الحروف: الشاعر والمفكر أدونيس يتحدث إلى الفاتح ميرغني
"العالم العربي يدخل في مرحلة: حرب المائة سنة الاسلامية - الاسلامية"
"الترجمة المرآتية أو الحرفية هي خيانه للترجمة"
أبوظبي- خاص بان اورينت نيوز
شاعرٌ جزل العبارة، وكاتبٌ وناقد شديد التوهج يتسم نقده بصراحة ربما يراها البعض جارحة ويراها هو كمبضع جراح لابد من إعماله بالكلمات والريشة والقلم لتشخيص واقع مثير للحزن والانقباض ... الّف العديد من الكتب وأصدر العديد من الدواوين الشعرية: الشاعر والمفكر أدونيس.
الفاتح ميرغني: يقال إن الشاعر هو بوصلة المجتمع وعدسة رؤيته البعيدة، أي أنه يرى ما وراء الخطوط الظاهرية. بالنظر إلى ما يجري في العالم الآن، هل تلمح وميض ضوء في آخر النفق؟
الشاعر أدونيس: أي عالم تعني؟ العالم العربي أم العالم الخارجي؟ في البداية ينبغي أن نحدد أي عالم. العالم عوالم وليس كتلة واحدة. يعني فرنسا ليست امريكا، وامريكا ليست العالم العربي. فكل عالم مستقل رغم ما يقوله الاعلام.
الفاتح ميرغني: أقصد ما يجري في العالم من حروب ودم وتقتيل، ولكن دعني أقصر سؤالي على ما يجري في العالم العربي.
الشاعر أدونيس: في رأيي، واتمنى ان اكون مخطئاً فيما أراه، أستطيع ان اقول إن العالم العربي يدخل في مرحلة أسمّيها: "حرب المائة سنة الاسلامية - الاسلامية".
الفاتح ميرغني: يرى البعض أنك تقسو في نقدك للواقع العربي؟
الشاعر أدونيس: الشاعر يجب أن ينظر حوله وفي كل الاتجاهات، بعين فاحصة ورؤية نقدية.
الفاتح ميرغني: ترجمتَ عددا من الأعمال إلى اللغة الفرنسية بصورة رائعة بإعتبارك متمكنا في اللغة الفرنسية، لكن لاحظنا، أو لاحظ البعض، أنك لم تترجم "أزهار الشر" لبودلير. لماذا؟
الشاعر أدونيس: من زمن وانا افكر في ترجمة "أزهار الشر"، ولكن بما انه تُرجم مرات إلى العربية، فقلت احترم الترجمات الاخرى، ولماذا أضيف ترجمة خامسة او عاشرة. لكن هناك علاقة عميقة بيني وبين "أزهار" بودلير تلح عليّ باستمرار أن اترجمه وأن أضعه باللغة العربية، هو و " رامبو".
الفاتح ميرغني: لماذا رفضت استلام جائزة تكريمك من قصر الاليزيه؟
الشاعر أدونيس: هذه اشاعات. انا لم ارفض ولم يكن هناك جائزة ، بل وساما. وهنا تُعطى الحرية إذا أخذت وساما أن تأخذه في الاليزيه أو أن تعطيك له شخصية فكرية، وانا اخترت شخصية فكرية، اخترت صديق متميز ورجل عظيم، وهو ادغار مولر.
الفاتح ميرغني: هناك دائما علاقة توتر أو علاقة تنافر متبادل بين المبدع والسلطة، يمكن منذ أمرؤ القيس كان تشعر أنه يميل الى التمرد على التقاليد في بلاط ابيه الملك.
الشاعر أدونيس: اعطيك مثل بسيط: السياسي أو السلطة طريق مرسوم مسبق يمشي في اتجاه واحد. اما الفنان أو الشاعر أو الانسان الخلاَّق فهو مثل شجرة يرى في كل الاتجاهات، إذن له طرق متعددة وآفاق متعددة وليس محصورا في طريق مرسوم سلفا.
الفاتح ميرغني: عندما تترجم اعمالك من اللغة العربية إلى اللغة الفرنسية، هل تشعر أنك تُرجمتها بذات التوهج الموجود في اللغة الاصل؟
الشاعر ادونيس: مستحيل، تعرف هذه مشكلة قديمة وأول شعب عاناها عمليا هو العرب. والجاحظ رأيه مشهور فهو يرفض الترجمة رفضا باتا، وبالذات ترجمة الشعر، يقول: "إن ترجمة الشعر هي تشويه وهدم للشعر"، ولذلك يرفض الترجمة. طبعا رأية يُحترم كثيرا لأن له اصداء حتى هنا في الثقافة الحديثة. وهناك شعراء يقولون: "إن العَصِيّ على ترجمة الشعر هو الشعر ذاته"، يعني لا يُترجم من الشعر الا ما ليس شعرياً، أي انهم يتفقون مع الجاحظ. وهناك المثل اللاتيني القديم: "Traditore traditore " الترجمة خيانة. ومع كل ذلك اعتقد اننا في عصر يقوم اساساً، على المستوى الثقافي، على الترجمة، وقد اذهب إلى ابعد من ذلك واقول إن الثقافة المقبلة تقوم على الترجمة أو لاتكون. اعطيك أمثلة من واقعنا العربي الذي نعرفه اكثر من غيرنا: على الرغم من تمسكنا باللغة العربية، وعلى الرغم من أننا نقيم هذا التمسك على اساس ديني، يعنى نضاعف هذا التمسك بالدين، فإن معظم كتابنا ومعظم مثقفينا اذا حضروا منتديات دولية لايتكلمون باللغة العربية بل باللغة الانجليزية أو بلغات أخرى.
والترجمة هي جوهر الثقافة لأنك كشاعر لا تقوم الا بالترجمة، فانت تترجم نفسك وتترجم مشاعرك على الطبيعة وتترجم علاقتك بالآخر، وكل ثقافتنا هي شكل من اشكال الترجمة. وبالنسبة لسؤالك: هل يمكن نقل قصيدة إلى لغة اخرى نقلة كاملة؟ اقول هذا غير ممكن فلا بد من تهديم جملة وبناء جملة في مكانها لأن تكوين الجملة موسيقياً وبنائياً يختلف من لغة إلى أخرى. والترجمة الدقيقة أو المرآتية أو الحرفية هي خيانه للترجمة. وقد سمعتُ مرة بورخيس في جلسة يقول: "اذا قلت La luna بالاسبانية وقلت في الوقت نفسه "La lune" بالفرنسية يصبح هناك: قمران". ومع ذلك نقول لا بد من الترجمة، وثقافتنا المقبلة ستقوم أصلا على الترجمة، ومعرفة اللغات ضرورية واساسية، ولذلك الترجمة هي ابداع آخر، والمترجم يجب ان يكون مبدعا آخرا.
الفاتح ميرغني: ديوانك: "أول الجسد آخر البحر" تُرجم إلى اللغة الفرنسية: "Commencment Du Corps Fin De L’ocean". والبحر في اللغة الفرنسية هو La mer و L’oceanهو المحيط . يعني في الترجمة حدث تغيير في المعنى، هل يمكن القول بأن المفكر ادونيس يؤمن بالترجمة الخلاقة من منطلق مقولة "خيانة المترجم"؟
الشاعر أدونيس: هذا معنى الترجمة، في الترجمة انت تأخذ دلالة الكلمة، يعني مثلا لو وضعت المحيط بدلا عن البحر كان دلالته بالعربية اضعف، بينما L’ocean بالفرنسية تدل على البحر بالمعنى العربي بأكثر مما تدل كلمة La mer على البحر بالمعني العربي. وفي الترجمة (بدك تاخذ مش) الحرف، بل العمق والبُعد والدلالة والمعنى.
الفاتح ميرغني: هل يعني ذلك أن الاستاذ ادونيس يؤمن بالترجمة الخلاّقة، وإن جاءت بتصرف؟
الشاعر أدونيس: طبعا. ويمكن ان نقول ذلك بمعنى آخر: في الترجمة، الخطأ في اللغة اقل اهمية من الخطأ الشعري، يعني لابأس، أو يحتمل، أن تُخطىء لغوياً لكن الخطأ الشعري لا يحتمل.
الفاتح ميرغني: هذا يقودنا إلى سؤال حول رأيك في الترجمات التي تتم الآن إلى اللغة العربية؟
الشاعر أدونيس: بالمناسبة، الترجمة من اللغات الاخرى إلى العربية، اجمالا، هي ترجمات رديئة ولا تُقرأ. وكل من يريد الترجمة عليه ان يقرأ الكتاب الرائع والرائد الذي ترجمه احسان عباس عن رواية "موبي ديك". يجب ان يقرأه كل شخص قبل أن يترجِم، هذه هي الترجمة، انموذج، يعني ( احسان عباس) خلق كتابا في اللغة العربية لا مثيل له.
الفاتح ميرغني: تم إعادة طباعة "الثابت والمتحول" أكثر من عشر مرات، وهذا رقم قياسي بالنسبة لإصدارة فكرية في العالم العربي. ما هو شعورك أو تقييمك لذلك؟
الشاعر ادونيس: عن شعوري، في البداية قوبل الكتاب بشيء من النقد القاسي، وقيل ان فيه ظلم، وفيه تفسير وتأويل غير صحيح للتراث العربي ..إلخ. الأمر الذي ارتاح إليه هو أن هذا الكتاب صدر سنة 1970. يعني مر عليه الآن نصف قرن تقريبا. والتجارب التاريخية تؤكد ان هذا الكتاب اصبح كلاسيكيا ومرجعاً اساسياً. ومن هذه الناحية، انا ازددت طمأنينة بالاطروحات التي حملها هذا الكتاب.
الفاتح ميرغني: يقال إن الابداع "أنثى"، بمعنى انه في داخل كل مبدع انثى تليّن وجدانه وتجعل منه انسانا رقيقا وخلاّقا محبا للحياة وعاشقا لها. إلى أي مدى تتفق او تختلف مع هذه المقولة؟
الشاعر ادونيس: الانسان مُثّنى إنس. الإنس الأول فيه أنثى والإنس الثاني فيه ذكر، وكل انثى فيها بعد ذكوري وكل رجل فيه بعد انثوي. إذن الانسان، في آن واحد، مذكر ومؤنث على هذا المستوى. والمرأة ليست موضوع خارجي، فالمرأة أو الانوثة جزء من الكيان الداخلي.
الفاتح ميرغني: أدونيس مابين موهبة الرسم والتوهج الشعري. أين يكون؟
الشاعر أدونيس: انا شخص يحاول ان يتعرف اولا على نفسه، من هو، ومن خلال ذلك اتعرف على الآخرين. كل محاولاتي تأتي في هذا الاطار، وانا لا اعرف من انا.
الفاتح ميرغني: ما رأيك في الرواية العربية؟
الشاعر أدونيس: أنا لست قارئاً جيدا للرواية العربية، وبالتالي لا اريد أن اعتدي على حقل لا أعرفه جيدا. وكل ما اقرأه من الروايات العربية هي روايات لاصدقاء احتراما ومحبة لهم.
الفاتح ميرغني: ما هي آخر مشاريعك الابداعية؟
الشاعر أدونيس: انا أعمل كثيرا وفي جميع الاتجاهات. أعمل كثيرا، يعني مهنتي وحياتي هي الكتابة، اكتب بشكل متواصل، وآخر شيء قمت به هو قراءة للتراث العربي نثريا، وكما قرأت واصدرت ديوان الشعر العربي، اصدرت ايضا ديوان النثر العربي، لأني اعتقد ان النثر العربي لا يقل أهمية عن الشعر، ويجب ان نُعنى به كثيرا، فنحن نهمشه، بتأثير الشعر، ولكن لدينا نثر عظيم، وناثرون كبار اكثر اهمية من كثير من الشعراء.
الفاتح ميرغني: الشاعر أدونيس. شكراً جزيلاً على إتاحة الفرصة للحوار مع بان اورينت نيوز.
الشاعر أدونيس: شكراً.
الفاتح ميرغني: المحرر الثقافي في بان اورينت نيوز
بان اورينت نيوز
جميع الحقوق محفوظة