حوار الشمال الجنوب في بروكسل

بقلم محمد بشير علي كردي
مدريد – السبت 19 ابريل 2014

معاناة المهجرين والمغتربين الذين تزداد أعدادهم مع تصاعد أعمال العنف والفوضى الخلاَّقة التي تنتشر في العديد من بلدان العالمين الثاني والثالث انتشار الهشيم، فتحرق الأخضر واليابس وتدمِّر الاقتصاد في البلدان التي يجتاحها ما يسمَّى "تسونامي" الحريَّة، تشغل بال صديقي الياباني وتقلقه. ويعزو ذلك إلى الوضع الاقتصادي والسياسي المتردِّي في تلك البلدان، واعتقاد العاطلين عن العمل، وهم أغلبيَّة القوى العاملة المؤهَّلة، ومنهم الأغلبيَّة غير مؤهَّلة معتقدين بتوفُّر فرص عمل لهم في دول الشمال إذا ما قدِّر لهم اجتياز البحر الأبيض المتوسِّط والرسوِّ على شواطئه.

وبسبب وسائل الاتِّصال والتواصل الحديثة، تنتقل لهم مباشرة ما ينعم به أهل الشمال من رفاهية وحياة كريمة وتأمينات اجتماعيَّة يفتقدونها في بلدانهم. في الوقت ذاته يرون لهم حقًّا في مقاسمة أهل الشمال لقمة العيش، فجدودهم قبل ألف وأربعمائة عام، وعلى مدى ثمانية قرون، كانوا مَن نقل الحضارة والمعرفة إلى شبه جزيرة أيبيريا ومنها انتقلت إلى البلدان الأوربيَّة. كان ذلك في الزمن البعيد، أمَّا في الزمن الحديث، فمئات الآلاف من أجدادهم المتقدِّمين في العمر، اقتيدوا قسرًا من بلدانهم من قبل الأوروبيين، وألقوا في آتون المعارك الدامية طوال سنوات الحربين العالميَّتين الأولى والثانية اللتين ليمهِّدوا لشعوب القارة الأوربيَّة ما تنعم به اليوم من رفاهية وأمن واستقرار.

وفي آخر لقاء بيننا على شبكة الإنترنت، حدَّثني عن عجز القمَّة الأوربيَّة الأفريقيَّة التي انعقدت في بروكسل يومي 2 و 3 أبريل الجاري تحت شعار "الاستثمار من أجل الشعوب الأفريقيَّة" وازدهارها والسلام في أوطانها، وشارك فيها نحو ثمانين دولة أوروبيَّة وأفريقيَّة لمعالجة الهجرة غير الشرعيَّة التي تعرِّض حياة الكثيرين من المغامرين لخطر الموت غرقًا إن لم تنقذهم قوارب خفر سواحل دول الشمال لتزجَّ بهم في معتقلات الحجز إلى أن يُبتَّ في أمرهم للترحيل أو قبولهم لاجئين.

بدا له أنَّ المجتمعين من القادة الأوربيِّين ركَّزوا جلَّ اهتمامهم على الانتشار الصيني الواسع النطاق في القارة الأفريقيَّة، بينما انحصر اهتمام القادة من القارَّة السوداء، كما ورد على لسان رئيس الاتِّحاد الأفريقي، على الأمن قبل التنمية، لأنَّ الأمن ركيزة أساسيَّة إذ لا يمكن الا ستثمار في منطقة غير آمنة، وقد مرَّت على منطقة الساحل مشاكل كثيرة سببها عدم الأمان، وليس هذا منذ أشهر، بل منذ عشرات السنين.

بمعنى آخر، كان همُّ القادة الأفارقة ضمان أمنهم واستمرار سلطتهم وتسلُّطهم على ما يرد بلادهم من مساعدات عينيَّة، بينما كان همُّ القادة الأوربيِّين تصريف منتجات بلدانهم في الأسواق الأفريقيَّة بأقلِّ منافسة ممكنة، دون رسم خارطة طريق لتنمية البلدان الأفريقيَّة بداية من تهيئة الشباب الأفارقة علميًّا ومهنيًّا ليكونوا اللبنة الأساس لمجتمع منتج لاحتياجاته وقادر على تقديم الخبرة والمعرفة لمن يطلبها في البلدان المتقدِّمة على غرار ما ما يفعله شباب الهند وأساتذة العلوم فيها وتوظيف مهاراتهم وخبارتهم لمن يطلبها من الطلبة والشركات والمؤسَّسات في بلدان العالم كافَّة عبر شبكة الإنترنت بتكلفة تقلُّ كثيرًا عمَّا يتقاضاه أمثقالهم من الأجور في تلك البلدان.

تمنَّى الصديق الياباني على حكومته وعلى الدول المانحة القروض والمساعدات للدول الأفريقيَّة أن يوجِّهوا مساعداتهم لبناء الأطقم البشريَّة بتوفير المزيد من المنح ، وتمويل المدارس والمراكز العلميَّة، وأن يحصروا تواصلهم بالشعوب وليس بالقادة الذين أسرفوا على أنفسهم بالفساد، وقتَّروا على شعوبهم متمثِّلين القولَ الشائع: "جوِّع كلبك يتبعك." فنظرتهم إلى شعوبهم نظرة الراعي إلى قطيع الماشية.

محمد بشير علي كردي سفير المملكة العربية السعودية سابقاً في اليابان


عزاء لليابان: فبراير. 01


رأي