غسالة تحول مواطن حمصي إلى ``حرامي مشبوه``

حمص – السبت 11 أغسطس 2012 /بان اورينت نيوز/

بقلم أحمد علي

لم يكن يتوقع أن عطلاً في الغسالة يمكن أن يأتي على سمعته بين الأقارب وأهل الحي. سعى جاهداً إلى إصلاحها داخل المنزل، لكن الفشل كان من نصيبه في كل مرة استدعى فيها فنياً لإصلاحها. هو في الحقيقة ليس فني مختص، بل إنه "مسبّع الكارات." ولجأ إليه على مبدأ "من قلة الخيل أسرجنا الكلاب،" ذلك أن مدينته حمص خلت من كل أشكال خدمات الزبائن ما بعد البيع بسبب الأزمة الدامية.

حار صاحبنا في أمره بعد أن دفع مبلغاً كبيراً نسبياً لإصلاح الغسالة وانتهت إلى عطل ميئوس منه بسبب غباء "الفني" المتطفل على المهنة. وهنا بدأت أزمته، حيث ضاقت زوجته ذرعاً لأنها عادت إلى زمن ما قبل الغسالة، وهددته بأنه حتى هو "سيغسل بيده"، وفهمكم كفاية.

"يا رجل! لماذا تعقد الموضوع؟ اشتر غسالة جديدة وانتهى الأمر! فأنت ميسور الحال والحمد لله!" هكذا ببساطة نصحه صديقه الذي بدا وكأنه يعيش في عالم آخر خارج حمص.

"القصة ليست عدم توفر المال يا غبي!" أجابه. "لو اشتريت غسالة، فمن يقنع الجيران أنني لم أسرقها، حين يرونني أدخلها إلى المنزل؟" فالسرقة انتشرت في حمص على نطاق واسع. ونتيجة للوضع الأمني المتدهور، ظهرت فئة قذرة استغلت نزوح أهالي معظم أحياء حمص إما خارج المدينة أو إلى أحياء آمنة نسبياً، تاركين وراءهم أثاث منازلهم بالكامل تقريباً.

بدأت عمليات السرقة بشكل فردي عشوائي في البداية، ثم تطورت لتصبح منظمة بين جماعات من اللصوص. وكل جماعة، حسب قوتها وسطوتها، اختصت بسرقة نوع ما من مواد الأثاث أو المحال التجارية. وفي بعض الأماكن، يتم حرق البيوت والمحال لتغطية السرقة أو للانتقام من فعل مماثل تم في بداية الأزمة بحق الذين هجروا بعض الأحياء تحت التهديد أو نزحوا طوعاً حرصاً على حياتهم.

ولكن الأمر تعدى الانتقام والثأر ليصبح ظاهرة متفشية تطال الجميع ودون تمييز. وفي بعض الحالات سرق اللصوص بيوت جيرانهم ومعارفهم. ولا بد أن هناك من أصبح ثرياً بعد فقر مدقع. وانتشرت ظاهرة عرض المسروقات للبيع في الشوارع دون رقيب أو حسيب. وبدأت تظهر خلافات حتى فيما بين اللصوص أنفسهم على "الغنائم" وكذلك بين هذه القلة المارقة والأكثرية التي ترفض هذا الفعل الخسيس.

وكان يتم نقل المسروقات جهاراً نهاراً بما تيسر من وسائط نقل: على الكتف، على الظهر، دراجة هوائية، دراجة عادية، طنابر، سيارات شاحنة صغيرة وكبيرة..إلخ. ولكن لاحقاً، لجأ اللصوص إلى تنفيذ عمليات السرقة في الليل بعد ملاحقة وتوقيف البعض منهم من قبل السلطات المختصة.

ومن كان ينقل المسروقات في شاحنة، كان يدعي أمام عناصر حواجز التفتيش أنه ينقل أثاث منزله إلى منزل آخر. وبعد استلام العديد من الشكاوى وملاحظة هذه الظاهرة، اتخذت السلطات المختصة إجراءات صارمة تقضي بأن يقدم من يريد نقل أثاث منزله إلى منزل آخر سواء داخل المدينة أو خارجها موافقة أمنية بعد تقديم كشف تفصيلي بمفردات الأثاث وسند ملكية أو عقد إيجار للمنزل المنقول منه إلى الآخر المنقول إليه ورقم الشاحنة التي ستنقل الأثاث واسم سائقها وتاريخ عملية النقل، وإذا تمت عملية النقل بعد التاريخ المدون في الموافقة، يتعرض صاحب العلاقة للمساءلة. ولكن هذا لم يوقف عمليات السرقة، فهناك عدة طرق التفافية. والمتضرر من هذه الإجراءات هم الأبرياء الذين اضطروا فعلاً إلى الانتقال إلى منزل آخر.

بقي صاحبنا حوالي الشهر دون غسالة خشية أن يشك أحد أنه "حرامي". وبأي حال وفي النهاية لم يكن مما ليس منه بد. مُرغماً، اشترى غسالة جديدة لكن بعد أن عمل ليل نهار على نشر خبر تعطل غسالته بين الجيران والأقارب، وبرغم كل هذه الحيطة تعرض إلى الكثير من التعليقات بين المزح والجد.

الصورة: جانب من سوق المسروقات في حمص

أحمد علي كاتب صحفي سوري

بان اورينت نيوز



رأي