حفلة عيد ميلاد بروفسور ياباني تنته ببحث مشكلة التصحر واستخراج المياه الجوفية

مدريد- السبت 29 اكتوبر 2011
بقلم الأديب محمد بشير علي الكردي
خاص لوكالة بان اورينت نيوز

بإلحاح من بُنَيَّتي وطلب المزيد عن ذكريات الزمن الجميل في ربوع اليابان، وكيف لي أن أردَّ طلبها في حديث عن أجمل أيَّام من العمر! وما أن علمت أنَّني قبل أيَّام حضرت احتفالاً بعيد ميلاد صديق، حتَّى باردت مستفسرة عن احتفالات اليابانيِّين في أعياد ميلادهم! وهل هي حديثة عهد كما الحال في المملكة حيث يجهل الكثيرون ممَّن في عمري تاريخ ميلادهم، فلا يجدون سبيلاً لتوثيقه، ومن ثمَّ الاحتفال بمناسبته! أم أنَّها معروفة وشائع الاحتفال بمناسباتها هناك؟ وسألت إن كنت قد حضرت في اليابان أعياد ميلاد؟ وما الانطباع الذي تركه في نفسي؟

أجبتُها بأنَّ اليابان بلد المناسبات، ويغتنمها الشعب لتوثيق الصلات وإشاعة الفرح والسرور فيما بينهم من جهة، ولتنشيط حركة التصنيع والتصدير من جهة ثانية. فتراهم يحتفلون بأعياد ميلاد السيِّد المسيح مع أنَّ معتنقي المسيحيَّة منهم - لمصلحة أو باقتناع - لا يتجاوزون العشرة من المائة من تعدادهم. ويبدع المصمِّمون لتنتج المصانع من الهدايا والألعاب ومواد الزينة ما يوفِّر سوقًا رائجة في بلدان العالم كافَّة، تعود على اقتصادهم بالربح الوفير، كما تجلب للمحتفلين حيثما كانوا الغبطة والسرور.

احتفال اليابانيِّين بأعياد ميلادهم أمر شائع، وكلٌّ حسب استطاعته وإمكاناته. فيها يتبادلون الهدايا، فالمهنِّئ يقدِّم هديَّته، ويستلم هديَّة تذكارية من المُحتفى به عند انتهاء الحفل. ويتخلَّل الحفل غالبًا كلمات يتبادلها كبار المهنِّئين مع المُحتفى بعيد ميلاده. وإذا ما كانت المناسبة مزدوجة الرقم، فإنَّها تكون أجود إعدادًا وأكثر حضورًا، كعيد ميلاد في الخامسة والخمسين، والسادسة والستِّين، والسابعة والسبعين. وأكثرها فخامة وحضورًا عيد ميلاد لبلوغ الثمانية والثمانين.

أذكر أنَّني دُعيت لحفل تكريم أستاذ جامعي لمناسبة بلوغه الثامنة والثمانين من العمر في قاعة واحد من الفنادق الراقية، شارك في تكاليف إقامته مَن حضر من طلبته على مدى سنوات عطائه في مهنة التعليم. كانوا يومذاك بالمئات، ومن بينهم من احتلَّ مراكز رفيعة ومتقدِّمة في عالم السياسة والمال والاقتصاد والإعلام اعترافًا منهم بجميل أستاذهم عليهم. ألقيت كلمات عديدة معبِّرة ومؤثِّرة من طلبته وأصدقائه وأفراد أسرته. ومن ثمَّ جاء دوري لإلقاء كلمة رغبة من الحضور لسماع ضيف قادم إليهم من بلد يمدُّ مصانعهم بما تحتاجه من طاقة، ويستورد منها العديد من منتجاته يتحدَّث إليهم بما يجول في خاطره في مناسبة جمعت عِلْيَة القوم. كنت الغايجِن (الأجنبي- الغاء كما لفظة الجيم باللهجة المصرية) الوحيد بين الحضور، مرتديًا زيِّ بلدي الوطني الملفت للنظر.

بدأتُ كلمتي بشكر من دعاني لحضور هذه المناسبة، وقدَّمتُ التهاني للمُحتفى به، متمنِّيًا له العمر المديد مع مزيد من العطاء والتوجيه لما فيه خير اليابان والعالم. وأضفت بأنَّنا اليوم، وبفضل تقدُّم تقنية الاتِّصالات، زالت الحدود بين الدول والأفراد، واشتركنا معًا في الآمال والتطلُّعات لمستقبل أفضل لمجتمعاتنا وللأجيال القادمة.

وطرحتُ على أستاذنا المحتفى بعيد ميلاده وعلى السادة الحضور مشكلة تقلق مواطني بلدي، ألا هي ظاهرة التصحُّر ونقص موارد مياه الشرب التي نحصل عليها من تحلية مياه البحر. وذكَّرت بأنَّها مكلفة للغاية، وتدعمها الدولة بما أكرمنا الله من دخل من إنتاج البترول.

وقلت بأنَّ مخزون البترول، كما نعرف محدود العمر، ولا بدَّ من إيجاد وسيلة أخرى تخفِّف التكلفة بما يعفي المنتج من دعم الدولة.

وذكرت للحضور ظاهرة توفُّر ينابيع مياه حلوة في قاع الخليج، دأب الغوَّاصون وهم يجمعون محارات اللؤلؤ من قاعه على سحب حاجتهم من ينابيعه الحلوة للشرب. وقلت طالما أنَّ الينابيع متوفِّرة في قاع البحار والمحيطات، فهل من وسيلة اقتصاديَّة تمكِّن من سحب المياه العذبة من قاع خليجنا شرق المملكة، أو البحر الأحمر غربها؟

شكرني الأستاذ المُحتفى به لحضوري وإلقاء كلمتي، وعقَّب بادئًا بالتعبير عن سعادته لوجودي معه في هذه المناسبة، وبأنَّه يثمِّن كثيرًا ما بين بلدينا من علاقات وطيدة ومتينة وخيِّرة تعود بالنفع على البلدين والعالم أجمع. ودعا طلبته من الحضور المختصِّين بتقنية المياه أن يأخذوا إجازة طويلة، ويختلوا إلى أنفسهم، مُبعدين عن ذاكرتهم كلَّ ما عرفوه عن طُرق تحلية مياه البحر، ويفكِّروا من جديد في السبل الاقتصاديَّة لتوفير مياه الشرب من قاع البحار والمحيطات، آخذين بعين الاعتبار ما سمعوه من السفير الزائر عن وجود ينابيع مياه عذبة في قاع الخليج. وهو أمر مؤكَّد، فقد كان في قديم الزمان حوضًا زراعيًّا خصبًا يخترقه شطُّ العرب لتصبَّ مياهه في بحر العرب مباشرة.

وقبل أن تسأل بُنيَّتي عن مصير هذا الطلب، قلت بأنَّ إنهاء خدماتي في اليابان، واستحقاقي الراحة والاستجمام لتجاوزي وقتها الخامسة والستِّين من العمر، حال بيني وبين متابعة الأمر مع مَن أحيل إليهم الطلب.
طبَعَتْ بُنيَّتي قبلة على جبيني، وقالتْ: نعم، حانَ وقتُ الراحة، وغدًا لنا حديث آخر مع ذكرياتك. قلت: اليوم عن الماء، وغدًا عن التصحَّر.

محمَّد بشير علي كردي سفير سابق للمملكة العربية السعودية في اليابان

بان اورينت نيوز



اليابان والدول العربية